للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الرد على حجتهم الثانية]

١ - يقال لهم: هذا الكلام مجمل فإن أرادوا بالمناسبة أنه ليس بينهما توالد فهذا حق، وإن أرادوا أنه ليس بينهما من المناسبة ما بين الناكح والمنكوح، والآكل والمأكول، أو نحو ذلك فهذا أيضًا حق، وإن أرادوا أنه لا مناسبة بينهما توجب أن يكون أحدهما محبًا عابدًا والآخر معبودًا محبوبًا فهذا هو رأس المسألة، فالاحتجاج به مصادرة على المطلوب ويكفي في ذلك المنع. ثم يقال: بل لا مناسبة تقتضي المحبة الكاملة إلا المناسبة التي بين المخلوق والخالق الذي لا إله غيره، الذي هو في السماء إله وفي الأرض إله، وله المثل الأعلى في السموات والأرض، وحقيقة قول هؤلاء جحد كون اللَّه معبودا في الحقيقة (١).

٢ - يقال لهم: إذا قدر موجودان:

أحدهما: يحب العلم والصدق والعدل والإحسان ونحو ذلك.

والآخر: لا فرق عنده بين هذه الأمور وبين الجهل والكذب والظلم ونحو ذلك لا يحب هذا ولا يبغض هذا، كان الذي يحب تلك الأمور أكمل من هذا. فدل على أن من جرده عن "صفات الكمال والوجود" بأن لا يكون له علم كالجماد فالذي يعلم أكمل منه؛ ومعلوم أن الذي يحب المحمود ويبغض المذموم: أكمل ممن يحبهما أو يبغضهما.

وأصل هذه المسألة الفرق بين محبة اللَّه ورضاه وغضبه وسخطه وبين إرادته كما هو مذهب السلف والفقهاء وأكثر المثبتين للقدر من أهل السنة وغيرهم.

وصار طائفة من القدرية والمثبتين للقدر إلى أنه لا فرق بينهما.

ثم قالت القدرية: هو لا يحب الكفر والفسوق والعصيان ولا يريد ذلك فيكون ما لم يشأ ويشاء ما لم يكن.

وقالت المثبتة: ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن وإذن قد أراد الكفر والفسوق والعصيان ولم يرده دينا أو أراده من الكافر ولم يرده من المؤمن فهو لذلك يجب الكفر والفسوق والعصيان ولا يحبه دينا ويحبه من الكافر ولا يحبه من المؤمن.


(١) انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية (١٠/ ٧٤).