للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا العموم لا مخصص له، حتى فعل المخلوق مخلوق لله (١).

* المطلب الثالث: أقوال العلماء في الإيمان بالقدر:

١/ قال البغوي : "الإيمان بالقدر فرض لازم، وهو أن يعتقد أن الله تعالى خالق أعمال العباد، خيرها وشرها، كتبها عليهم في اللوح المحفوظ قبل أن يخلقهم، قال الله : ﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ﴾ [الصافات: ٩٦]، وقال ﷿: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾ [القمر: ٤٩]. فالإيمان والكفر، والطاعة والمعصية، كلها بقضاء الله وقدره، وإرادته ومشيئته، غير أنه يرضى الإيمان والطاعة، ووعد عليهما الثواب، ولا يرضى الكفر والمعصية، وأوعد عليهما العقاب، … والعبد له كسب، كسبه مخلوق يخلقه الله حالة ما يكسب، والقدر سر من أسرار الله لم يطلع عليه ملكًا مقربًا، ولا نبيًا مرسلًا، لا يجوز الخوض فيه، والبحث عنه بطريق العقل، بل يعتقد أن الله خلق الخلق، فجعلهم فريقين: أهل يمين خلقهم للنعيم فضلًا، وأهل شمال خلقهم للجحيم عدلًا. قال الله : ﴿أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ﴾ [الأعراف: ٣٧]، قال سعيد بن جبير: ما قُدّر لهم من الخير والشر، ومن الشقوة والسعادة" (٢).

٢/ قال ابن تيمية: "إن مذهب أهل السنة والجماعة في هذا الباب وغيره ما دل عليه الكتاب والسنة وكان عليه السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان: وهو أن الله خالق كل شيء وربه ومليكه، وقد دخل في ذلك جميع الأعيان القائمة بأنفسها، وصفاتها القائمة بها من أفعال العباد وغير أفعال العباد. وأنه سبحانه ما شاء كان وما لم يشأ ليكن؛ فلا يكون في الوجود شيء إلا بمشيئته وقدرته لا يمتنع عليه شيء شاءه؛ بلى هو قادر على كل شيء، ولا يشاء شيئا إلا وهو قادر عليه. وأنه سبحانه يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف يكون، وقد دخل في ذلك أفعال العباد وغيرها، وقد قدر الله مقادير الخلائق قبل أن يخلقهم: قدر آجالهم وأرزاقهم وأعمالهم كتب ذلك كتب ما يصيرون إليه من سعادة وشقاوة فهم يؤمنون بخلقه لكل شيء وقدرته على كل شيء ومشيئته لكل ما كان وعلمه بالأشياء قبل


(١) انظر: القول المفيد لابن عثيمين (٢/ ٤٠٣، ٤٠٤)، وشرح العقيدة الطحاوية للبراك (ص: ١٦٢، ١٦٣).
(٢) انظر: شرح السنة للبغوي (١/ ١٤٢ - ١٤٤).