للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المطلب الثالث: الفرق المخالفة في إثبات رؤية اللَّه تعالى في الآخرة.

خالف في ذلك فرقتان من فرق الضلال، وقد تفرقوا إلى ثلاث فرق، وهي كما يلي:

الفرقة الأولى: المعطلة من الجهمية والمعتزلة ومن تبعهم من الخوارج والزيدية والمرجئة، ذهبوا إلى نفي رؤية اللَّه تعالى في الآخرة، وحرفوها إلى معنى العلم به ومعرفته تعالى.

قال القاضي عبد الجبار المعتزلي: "ومما يجب نفيه عن اللَّه تعالى الرؤية" (١).

وقال أيضًا: "الرؤية بالأبصار على اللَّه تستحيل، والرؤية بالمعرفة والعلم تجوز عليه" (٢).

وعندهم أن من زعم أن اللَّه يرى بالأبصار فهو مشبه للَّه بخلقه، والمشبه عندهم كافر باللَّه تعالى (٣).

قال القاضي عبد الجبار المعتزلي: "أعلم أن من خالفنا في هذه المسألة لا يخلو حاله من أحد أمرين: إما أن يحقق الرؤية فيقول: إن اللَّه يُرى بلا مقابلًا لنا أو حالًا في المقابل أو في حكم المقابل، أولا يحقق فيقول: إنه تعالى يُري بلا كيف، فمن ذهب إلى المذهب الأول فإنه يكون كافرًا؛ لأنه جاهل باللَّه تعالى، والجهل كفر، والدليل على ذلك إجماع الأمة، وإجماع الأمة حجة. ومن قال: إنه تعالى يُري بلا كيف فلا يكفر؛ لأن التكفير إنما يعرف شرعا، ولا دلالة من جهة الشرع يدل على ذلك" (٤).

الفرقة الثانية: وهم جمهور الأشاعرة المتأخرون، فقد ذهبوا إلى القول بأن اللَّه يرى بلا جهة، فأثبتوا رؤية اللَّه في الآخرة لورود النصوص والإجماع على ذلك، لكنهم جعلوا ذلك إلى غير جهة (٥).

الفرقة الثالثة: وذهب بعض الأشاعرة إلى القول بأن المقصود بالرؤية هو: "نوع إدراك هو كمالٌ ومزيد كشف بالإضافة إلى التخيل" (٦).

فجعلوا حقيقة الرؤية كشف وزيادةَ علمٍ باللَّه تعالى.

* * *


(١) انظر: شرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار المعتزلي (ص ٢٣٢).
(٢) انظر: المختصر في أصول الدين للقاضي عبد الجبار المعتزلي (ص ٣٣٧).
(٣) انظر: الانتصار والرد على ابن الراوندي الملحد (ص ٦٨).
(٤) انظر: شرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار المعتزلي (ص ٢٧٦ - ٢٧٧).
(٥) انظر: الإنصاف فيما يجب اعتقاده ولا يجوز الجهل به للباقلاني (ص ١٧٧ و ١٧٨).
(٦) انظر: الاقتصاد في الاعتقاد لأبي حامد الغزالي (ص ٤٥).