للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإن أردتم أمرًا وجوديًا. وقد علم أنه ما ثم موجود إلا الخالق والمخلوق، واللَّه فوق سماواته بائن من مخلوقاته، لم يكن. والحالة هذه في جهة موجودة، فقولكم: إن المرئي لا بد أن يكون في جهة موجودة قول باطل، فإن سطح العالم مرئي، وليس هو في عالم آخر.

وإن فسرتم الجهة بأمر عدمي كما تقولون: إن الجسم في حيز، ولا حيز تقدير مكان، وتجعلون ما وراء العالم حيزًا.

فيقال لكم: الجهة. والحيز. إذا كان أمرًا عدميًا فهو لا شيء، وما كان في جهة عدمية أو حيز عدمي، فليس هو في شيء، ولا فرق بين قول القائل: هذا ليس في شيء وبين قوله: هو في العدم أو أمر عدمي فإذا كان الخالق تعالى مباينًا للمخلوقات عاليًا عليها، وما ثم موجود إلا الخالق أو المخلوق، لم يكن معه غيره من الموجودات، فضلًا عن أن يكون هو سبحانه في شيء موجود يحصره أو يحيط به.

فطريقة السلف والأئمة أنهم يراعون المعاني الصحيحة المعلومة بالشرع والعقل، ويراعون أيضًا الألفاظ الشرعية، فيعبرون بها ما وجدوا إلى ذلك سبيلًا، ومن تكلم بما فيه معني باطل يخالف الكتاب والسنة ردوا عليه، ومن تكلم بلفظ مبتدع يحتمل حق وباطلا نسبوه إلى البدعة أيضًا، وقالوا: إنما قابل بدعة ببدعة، وردة باطلًا بباطل" (١).

[الرد على الدليل الثاني والثالث]

أن نمنع كون الرؤية بالانطباع إما مطلقًا أو في الغائب لاختلاف الرؤيتين (٢).

ونقول أيضًا: أن الرؤية عبارة عن الانكشاف التام، فإن كان الشيء له صورة كان انكشافه بانكشاف صورته ولونه، وإن كان منزهًا عن الصورة واللون كان انكشافه كذلك أيضًا؛ لأنَّ شرط الانكشاف أن يحصل على وفق ماهية المكشوف (٣).

والحكم بأن المرئي لابد وأن تنطبع صورته ومثاله في العين، وأنه لا بد وأن يكون ذا لون وشكل مبني على أن هذه الأشياء المشاهدة المحسوسة لا تُرى إلا كذلك، ثم قالوا: "لو صح أن يُرى اللَّه فلا يُرى إلا كذلك" وهو ممنوع في حقه تعالى، والحق أنه تحكمٌ محض وقياس للخالق على المخلوق، وهو باطل قطعًا؛ لأنه قياس مع


(١) انظر: درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية (١/ ٢٥٣ - ٢٥٤) ومنهاج السنة النبوية له أيضًا (٢/ ٣٤٨ - ٣٤٩).
(٢) انظر: شرح للمواقف للجرجاني (٨/ ١٥٥).
(٣) انظر: الأربعين في أصول الدين الرازي (١/ ٣٠٤).