من المتقرر أن الحالة السياسية لها تأثير على الحالة الاجتماعية، ويظهر مما سبق أن القرن الثامن الذي عاش فيه الإمام ابن المحب الصامت ﵀ عمَّ فيه الاستقرار على رغم وجود التنازع على السلطة بين الولاة والقادة.
ويرجع ذلك الاستقرار من خلال دراسة الحالة السياسية والحالة العلمية فيما سبق إلى عدة أمور وهي:
١ - القضاء على الغزو المغولي التتري.
٢ - القضاء على الاحتلال الصليبي للشام ومصر.
٣ - صلاح كثير من الولاة.
٤ - جهود العلماء في إصلاح الراعي والرعية.
[أما في مصر]
فاتصفت الحياة الاجتماعية في مصر إبان عصر سلاطين المماليك بأنها حياة نشطة مليئة بالحركة والحياة، فقد كان المماليك يحكمون البلاد ويتمتعون بالجزء الأكبر من خيراتها دون أن يحاولوا الامتزاج بأهلها، لهم الثروة العظيمة، وحياة الترف والنعيم، أما بقية الرعية فقسمان:
أ - التجارُ والمعممون وهؤلاء احتفظوا بمكانة مرموقة في المجتمع وبمستوى لائق من المعيشة.
ب - غالب أهل البلاد من العوام والفلاحين، فظلت حياتهم أقرب إلى البؤس والحرمان.
وكانت القاهرة والمدن الكبرى تفيض بالنشاط في عصر المماليك، إذ عني سلاطين المماليك بتجميلها ونظافتها، وامتازت بأسواقها العديدة المليئة بأصناف البضائع والتي خضعت لرقابة المحتسب ذو رأي وصرامة وخشونة في الدين، كذلك اهتموا بإنشاء كثير من المنشآت الاجتماعية المتنوعة كالفنادق والخانات والوكالات والأسبلة والخامات والبيمارستانات وغيرها (١).
[وأما في الشام]
فكان أهل الشام في عصر المماليك لا يختلفون عن أهل مصر من حيث أنهم مغلوبون على أمرهم، يخضعون لحكَّام استأثروا بالحكم والوظائف، وحرمتهم من المشاركة في أمور البلاد، وقد انقسم أهل بلاد الشام الأصليون إلى قسمين:
(١) انظر: مصر والشام في عصر الأيوبيين والمماليك لسعيد بن عبد الفتاح عاشور (ص ٢٦٩ - ٢٧٠).