للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المطلب الثاني: مذهب أهل السنة والجماعة في إثبات رؤية اللَّه تعالى في الدار الآخرة.

أجمع سلف الأمة وأئمتها من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أئمة الدين على إثبات رؤية المؤمنين لربهم ﷿ في الآخرة عيان بأبصارهم، رؤية حقيقة، وأنهم يتنعَّمون ويتلذذون برؤيته .

وهي مما تواترت بها الأحاديث عن النبي . قال الإمام النووي: "اعلم أن مذهب أهل السنة بأجمعهم أن رؤية اللَّه تعالى ممكنة غير مستحيلة عقلا وأجمعوا أيضًا على وقوعها في الآخرة وأن المؤمنين يرون اللَّه تعالى دون الكافرين، وقد تظاهرت أدلة الكتاب والسنة وإجماع الصحابة فمن بعدهم من سلف الأمة على إثبات رؤية اللَّه تعالى في الآخرة للمؤمنين، ورواها نحو من عشرين صحابية عن رسول اللَّه وآيات القرآن فيها مشهورة" (١).

قال الإمام محمد الأمين الشنقيطي: "تواترت الأحاديث الصحاح في الصحيحين وغيرهما من السنن والمسانيد والأجزاء عن نحو من عشرين صحابيًّا كرامة فضلاء عن النبي ، أن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة، ولا يكاد ينازع من له إنصاف في تواتر أحاديث رؤية اللَّه يوم القيامة" (٢).

وقد نظم ذلك بعض العلماء (٣) فقال:

مما تواترَ حديثُ مَنْ كَذَبْ … وَمَنْ بَنَى للَّهِ بيتًا واحْتَسَبْ

ورؤيةُ شَفَاعَةٌ والْحَوضُ … وَمْسْحُ خُفَّيْنِ وَهذى بَعْضُ

ورؤية اللَّه تعالى هي أعظم النعيم وأعلاه، وغايته ومنتهاه، وهو لكل مؤمن اصطفاه، فهي أجل مسائل الدين وأشرفه.

قال الإمام ابن أبي العز الحنفي: "هذه المسألة من أشرف مسائل أصول الدين وأجلها، وهي الغاية التي شمر إليها المشمرون، وتنافس المتنافسون، وحرمها الذين هم عن ربهم محجوبون، وعن بابه مردودون" (٤).

والأدلة على ذلك ثابتة صريحة من الكتاب والسنة والإجماع والعقل.


(١) انظر: المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج للنووي (٣/ ١٥).
(٢) انظر: العَذْبُ النَّمِيرُ مِنْ مَجَالِسِ الشَّنْقِيطِيِّ في التفسير (٤/ ١٥٠).
(٣) انظر: نظم المتناثر من الحديث المتواتر لمحمد بن جعفر الكتاني (ص ١٨).
(٤) انظر: شرح الطحاوية للقاضي ابن أبي العز (١/ ٢٠٨).