[المطلب الرابع: الرد على الأشاعرة في تحريفهم للأدلة النقلية.]
لقد خالف جمهور الأشاعرة مخالفة صريحة ما كان عليه سلف الأمة وأئمتها من إثبات رؤية اللَّه في الدار الآخرة رؤية حقيقة بالأبصار عيانًا، وتناقضوا حينما أثبتوا رؤية في غير جهة، وحقيقة قولهم هو موافقة المعطلة في إنكار الرؤية، والرد عليهم كما يلي:
١ - تفسيرهم لتلك الآيات الكريم، والأحاديث الصحيحة، إنما هو تحريف للكلم عن مواضعه، فلم يقل تلك التحريفات لا رسول اللَّه ﷺ ولا أصحابه ﵃ ولا التابعون لهم بإحسان، ولا أئمة الإسلام من الأئمة الأربعة ونحوهم.
٢ - أنهم في تحريفهم لأدلة الرؤية عن معانيها الحقيقة الثابتة قد خالفوا إمامهم الإمام أبا الحسن الأشعري المنتسبين إليه، وخالفوا كبار أتباعه المتقدمين، وهذا حال جمهور الأشاعرة الذين ينتسبون للإمام الأشعري، فقد خالفوه في كثير مما تبرأ منه من أقوال الجهمية والمعتزلة، ومنها مسألة الرؤية.
قال أبو الحسن الأشعري:"الباب الأول: الكلام في إثبات رؤية اللَّه سبحانه بالأبصار في الآخرة، قال اللَّه تعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (٢٢)﴾ [القيامة]، يعني: مشرقة، ﴿إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (٢٣)﴾ [القيامة]، يعني: رائية؛ لأن النظر إذا ذكر مع ذكر "الوجه" فمعناه نظر العينين اللتين في الوجه، كما إذا ذكر أهل اللسان نظر القلب فقالوا: "أُنظرْ في هذا الأمر بقلبك"، لم يكن معناه نظر العينين، وكذلك إذا ذكر النظر مع "الوجه" لم يكن معناه نظر الانتظار الذي يكون للقلب، وأيضًا فإن نظر الانتظار لا يكون في الجنة؛ لأن الانتظار معه تنغيص وتكدير، وأهل الجنة في "ما لا عين رأت ولا أذن سمعت" من العيش السليم والنعيم المقيم.
وإذا كان هذا هكذا لم يجز أن يكونوا منتظرين؛ لأنهم كلما خطر ببالهم شيء أُتُوا به مع خُطُورهِ ببالهم، وإذا كان ذلك كذلك فلا يجوز أن يكون اللَّه ﷿ أراد نظر التعطف؛ لأن الخلق لا يجوز أن يتعطفوا على خالقهم، وإذا فسدت الأقسام الثلاثة صح القسم الرابع من أقسام النظر، وهو: أن معنى قوله: ﴿إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (٢٣)﴾ [القيامة]، أنها رائية ترى ربها ﷿، والرؤية إذا أطلقت إطلاقا ومثلت برؤية العيان لم يكن معناها إلا رؤية العيان، إن المسلمين اتفقوا على أن الجنة فيها "ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر" من العيش السليم، والنعيم المقيم، وليس نعيم في الجنة أفضل من رؤية اللَّه تعالى بالأبصار.
وأكثر مَن عَبَدَ اللَّه تعالى عَبَدَه للنظر إلى وجهه الكريم -أرانا اللَّه إياه بفضله- فإذا لم يكن بعد رؤية اللَّه ﷿ أفضل من رؤية نبيه ﷺ، وكانت رؤية نبي اللَّه أفضل لذات الجنة كانت رؤية اللَّه ﷿ أفضل من رؤية نبيه ﷺ، وإذا كان ذلك كذلك لم يحرم اللَّه أنبياءه المرسلين، وملائكته المقربين، وجماعة المؤمنين،