للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وسبعمائة عاث الإفرنج في الأرض فساداً، فأغاروا على سواحل البلاد الإسلامية، فقتلوا ونهبوا، ومضت السنون والأيام والليالي، والدولة تعيش نوعاً من الاستقرار السياسي حتى موت ابن المحب الصامت رحمه الله تعالى (١).

وهذه صورة مبسطة للحياة السياسة في عصر الإمام ابن المحب الصامت منذ أن ولد إلى أن مات مع أطيب التمنيات، وهي تجسد لنا ما كان عليه عصر الإمام ابن المحب الصامت، من استقرار سياسي عام يشويه قلاقل وقتن داخلية، واتحاد قوى في مواجه العدو الخارجي، ومما يدل على هذه القلاقل ما ذكره ابن كثير في البداية والنهاية، حيث قال: "وفي العشر الأخير من رمضان سنة (٧٤٨ هـ) جاء البريد من نائب غزة إلى نائب دمشق بقتل السلطان الملك المظفر حاجي بن الناصر محمد، وقع بينه وبين الأمراء فتحيزوا عنه إلى قبة النصر فخرج إليهم في طائفة قليلة فقتل في الحال، وسحب إلى مقبرة هناك، ويقال قطع قطعا، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

ولما كان يوم الجمعة آخر النهار ورد من الديار المصرية أمير للبيعة لأخيه السلطان الناصر حسن بن السلطان الناصر محمد بن قلاوون" (٢).

[الحياة الاجتماعية في عصر الإمام ابن المحب الصامت]

من المعلوم أنَّ الحياة الاجتماعيَّة لا تنفصل عن الحياة السِّياسيَّة؛ فكلَّما كان هناك استقرار سياسيٌّ، كان هناك ازدهار في جميع نواحي شئون الحياة الاجتماعيَّة، والحياة الاجتماعيَّة في عصر ابن المحبِّ الصَّامت إلى حدٍّ ما مستقرَّة، وإن خالطتها منغصات.

إن العصر المملوكي عموما - الذي عاش فيه ابن المحب - كان قائماً على الطبقية، فهناك طبقة الحكام، وطبقة المحكومين، وطبقة العلماء، وكان للعلماء دور بارز في الدولة المملوكية فكانوا يرجعون إليهم في مدلهمات الأمور، وكانت طبقة الحكام مميزة، ولا تقبل الانخراط مع طبقة المحكومين.


(١) العبر في خبر من غبر (٤/ ٦٩ - ١٧٦)، مرآة الجنان وعبرة اليقظان، لليافعي (٤/ ١٨٩ - ٢٢٥)، ابن كثير الدمشقي الحافظ المفسر المؤرخ الفقيه، تأليف: د. محمد الزحيلي (ص ١٤ - ١٩).
(٢) البداية والنهاية، ابن كثير (١٨/ ٤٩٩).