للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المطلب الثالث: الفرق المخالفة في صفة المحبة للَّه تعالى.

من المعلوم أن أول من أنكر هذه الصفة الثابتة للَّه تعالى هو الجعد بن درهم، ثم أخذها تلميذه الجهم بن صفوان، وانتشرت فيما بعد، فأخذها المعتزلة ومن تبعهم كمتأخري الأشاعرة وغيرهم (١).

وقد خالف في ذلك فرقتان وهما:

الأولى: المعطلة من الجهمية ومن اتبعهم من المعتزلة وغيرهم فقد حرفوا محبة اللَّه لعبده على أنها الإحسان إليه، فيفسرون المحبة بأنها نفس الثواب الواجب عندهم على اللَّه لهؤلاء؛ بناء على مذهبهم في وجوب إثابة المطيع وعقاب العاصي، فتكون من الأفعال حيث نفوا هذه الصفة وجميع صفات اللَّه تعالى الثابتة له على ما يليق بجلاله وعظمته (٢).

الثانية: وطائفة أخرى من المتكلمين الصفاتية كالأشاعرة قالوا: هي إرادة الإحسان (٣). وهم بهذا يُرجعونها إلى صفة الإرادة، فيقولون: إن محبة اللَّه لعبده لا معنى لها إلا إرادته لإكرامهم ومثوبتهم (٤).

قال ابن جماعة (٥): "إن محبة اللَّه تعالى هي صفة ذات أو صفة فعل فمن قال صفة ذات فمعناه أنه يريد بالمحبوب ما يريد المحبوب لمحبوبه من الإكرام والإحسان إليه، ومحبة اللَّه تعالى للأقوال والخصال المحمودة يرجع إلى إرادته كاسبها والإحسان" (٦).

وقال العلامة الهراس: "وينفي الأشاعرة والمعتزلة صفة المحبة؛ بدعوى أنها توهم نقصًا؛ إذ المحبة في المخلوق معناها ميله إلى ما يناسبه أو يستلذه.

فأما الأشاعرة: فيرجعونها إلى صفة الإرادة، فيقولون: إن محبة اللَّه لعبده لا معنى لها إلا إرادته لإكرامه ومثوبته، وكذلك يقولون في صفات الرضا والغضب والكراهية والسخط؛ كلها عندهم بمعنى إرادة الثواب والعقاب.


(١) انظر: مجموع الفتاوي لابن تيمية (١٧/ ٣٠٥) والاستقامة له أيضًا (٢/ ١٠٢).
(٢) انظر: شرح شرح العقيدة الواسطية للهراس (ص ١٠٢).
(٣) انظر: شرح الأسماء الحسنى للرازي (ص ٢١١ و ٢٦٣) وجامع الرسائل لابن تيمية (٢/ ٢٣٧).
(٤) انظر: شرح شرح العقيدة الواسطية للهراس (ص ١٠٢).
(٥) محمد بن إبراهيم بن سعد اللَّه بن جماعة بن علي بن جماعة بدر الدين أبو عبد اللَّه الكناني الحموي الشافعي المفسر، له تواليف في الفقه والحديث والأصول والتاريخ وغير ذلك، وله تعبد وتصوف وأوصاف حميدة، وأحكام محمودة، وهو أشعري فاضل. توفي سنة ٧٣٣ هـ. انظر: معجم الشوخ الكبير للذهبي (٢/ ١٣٠) باختصار.
(٦) انظر: إيضاح الدليل في قطع حجج أهل التعطيل لمحمد بن إبراهيم بن جماعة الكناني الحموي الشافعي (ص ١٣٩).