للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المطلب الثاني: الرد على شبه المعطلة النافين لصفة المحبة للَّه تعالى.

الرد على حجتهم الأولى: وهي: دليل الأعراض وحدوث الأجسام.

١ - أنا لا نسلم لكم دليلكم الذي ابتدعتموه وهو دليل الأعراض وحدوث الأجسام، حيث أنكم أوجبتموه وجعلتموه أول ما يجب على المكلف (١).

قال القاضي عبد الجبار المعتزلي: "مسألة: فإن قال: فبينوا لي جمل ما يلزمه في "التوحيد" أن يعرفه، قيل له: يدور ذلك على أصول خمسة: أولها: إثبات حدوث العالم" (٢).

ودليلكم هذا لم يوجبه اللَّه تعالى ولا رسوله ﷺ: ولا الصحابة ولا التابعون لهم بإحسان.

قال ابن تيمية: "وأصل منشأ نزاع المسلمين في هذا الباب: أن المتكلمين -من الجهمية والمعتزلة ومن اتبعهم- سلكوا في إثبات حدوث العالم وإثبات الصانع طريقة مبتدعة في الشرع مضطربةً في العقل، وأوجبوها وزعموا أنه لا يمكن معرفة الصانع إلا بها، وتلك الطريق فيها مقدمات مجملة لها نتائج مجملة، فغلط كثير من سالكيها في مقصود الشارع ومقتضى العقل، فلم يفهموا ما جاءت به النصوص النبوية، ولم يحرروا ما اقتضته الدلائل العقلية؛ وذلك أنهم قالوا: لا يمكن معرفة الصانع إلا بإثبات حدوث العالم ولا يمكن إثبات حدوث العالم إلا بإثبات حدوث الأجسام. قالوا: والطريق إلى ذلك هو الاستدلال بحدوث الأعراض على حدوث ما قامت به الأعراض" (٣).

٢ - أن معرفة اللَّه تعالى والإقرار به من الأمور الضرورية الفطرية البدهية، ولا يحتاج إلى ما أدعيتموه وأوجبتموه من النظر والاستدلال، وهذا معلوم عند جميع الأمم (٤).

٣ - أن دليلكم الذي أحدثتموه لتنزيه الباري تعالى ومعرفته والإقرار به، لا يدل على ذلك، بل يدل على إثبات حدوث ما سوى اللَّه تعالى، وأخطأتم حينما جعلتم ذلك الدليل قضية كلية قِسْتُم فيها الشاهد على الغائب من غير تمييز بينهما، وهذا هو القياس الفاسد (٥).


(١) انظر: الغنية في أصول الدين لعبد الرحمن المتولي النيسابوري (ص ٥٥).
(٢) انظر: المختصر في أصول الدين للقاضي عبد الجبار المعتزلي (ص ٣٢٢).
(٣) انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية (١٢/ ٢١٣ - ٢١٤).
(٤) انظر: بيان تلبيس الجهمية لابن تيمية (٤/ ٥٧١ - ٥٧٢).
(٥) انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية (٦/ ٢٩٩ - ٣٠٠).