للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٤ - نحن لا نسلم لكم دليلكم هذا، وهو لا يدل على ما ذهبتم إليه من تنزيه الباري ﷿ ولا على حدوث العالم، فلا يدل على حدوث ما سوى اللَّه، ولا يستلزم حدوثه، بل هو منافٍ لحدوث العالم ومناقض له وللشرع والعقل أيضًا (١).

وأيضًا: أنتم أثبتم حدوث العالم بطريق، وحدوث العالم لا يتم إلا مع نقيض ما أثبتموه، فما جعلتموه دليلًا على حدوث العالم لا يدل على حدوثه؛ بل ولا يستلزم حدوثه -والدليل لا بد أن يكون مستلزمًا المدلول: بحيث يلزم من تحقق الدليل تحقق المدلول- بل هو مُنافٍ لحدوث العالم مناقضٌ له وهو يقتضي امتناع حدوث العالم بل امتناع حدوث شيء من الأشياء، وهذا يقتضي بطلانه في نفسه وإنه لو صح لم يدل إلا على نقيض المطلوب ونقيض ما يقوله كل عاقل (٢).

الرد على حجتهم الثانية: وهي: أن إثبات الصفات يستلزم الحدوث.

يقال لهم: هذه الحجة من أفسد الحجج وذلك من وجوه:

الأول: أن هؤلاء يقولون: نفي النقص عنه لم يعلم بالعقل وإنها علم بالإجماع، وعليه اعتمدوا في نفي النقص هنا، فيعود الأمر إلى احتجاجهم بالإجماع، ومعلوم أن الإجماع لا يُحتج به في موارد النزاع.

الثاني: أن يقال: لا نسلم أن عدم هذه الأمور قبل وجودها نقص؛ بل لو وجدت قبل وجودها لكان نقصًا؛ مثال ذلك: تكليم اللَّه لموسى ونداؤه له، فنداؤه حين ناداه صفة كمال؛ ولو ناداه قبل أن يجيء لكان ذلك نقصًا؛ فكل منها كمال حين وجوده؛ ليس بكمال قبل وجوده؛ بل وجوده قبل الوقت الذي تقتضي الحكمة وجوده فيه نقص.

الثالث: أن يقال: لا نسلم أن عدم ذلك نقص؛ فإن ما كان حادثا امتنع أن يكون قديمًا وما كان ممتنعًا لم يكن عدمه نقصًا؛ لأن النقص فوات ما يمكن من صفات الكمال.

الرابع: أن هذا يرد في كل ما فعله الرب وخلقه. فيقال: خلق هذا إن كان نقصًا فقد اتصف بالنقص وإن كان كمالًا فقد كان فاقدًا له، فإن قلتم: صفات الأفعال عندنا ليست بنقص ولا كمال. قيل: إذا قلتم ذلك أمكن المنازع أن يقول: هذه الحوادث ليست بنقص ولا كمال.


(١) انظر: جامع الرسائل لابن تيمية (٢/ ٣٦).
(٢) انظر: مجموع الفتاوى (١٢/ ٢١٥ - ٢١٧).