للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٥٥ - باب إثبات الأسباب في الخلق والأمر. خلافًا للجهمية في قولهم: إنه يفعل عندها لا بها. بل هو خالق الأسباب والمسببات.

قال اللَّه تعالى: ﴿أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ [النحل: ٦٥] ﴿وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (٩)[ق] إلى قوله: ﴿وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا﴾ [ق: ١١]، وقال: ﴿وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ﴾ [الأعراف: ٥٧]، وقال: ﴿يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ﴾ [المائدة: ١٦]، وقال: ﴿قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ﴾ [التوبة: ١٤].

وليس شيء من الأسباب مستقلًا بمطلوب، بل لا بد من انضمام أسباب أُخر إليه ولا بد أيضًا من صرف الموانع والمعارضات عنه حتى يحصل المقصود، فكل سبب وله شريك وله ضد، فإن لم يعاونه شريكه ولم ينصرف عنه ضده لم يحصل مسببه، فليس في المخلوقات علةٌ تامة تستلزم معلوها.

قال طائفة من العلماء: "الالتفات إلى الأسباب شرك في التوحيد، ومحو الأسباب أن تكون أسبابًا نقص في العقل، والإعراض عن الأسباب بالكلية قدح في الشرع، وإنما التوكل والرجاء يتألف من موجب التوحيد والعقل والشرع، وذلك أن الالتفات إلى السبب هو اعتماد القلب عليه ورجاؤه والاستناد إليه، وليس في المخلوقات ما يستحق هذا؛ لأنه ليس بمستقل ولا بد له من شركاء وأضداد، ومع هذا كله فإن لم يُسخره مُسبب الأسباب لم يُسخَّر، فالكواكب جزءُ سبب، وأما هي جزء سبب في حال دون حال، في حال ظهورها على وجه الأرض يظهر نورها وأثرها، فإذا أفَلَت انقطع نورها وأثرها فلا تبقى حينئذ سببًا ولا جزءًا من السبب، ولهذا قال الخليل: لا أحب الآفلين، وإنما الرب تعالى هو القيوم يُقيم العبد في جميع الأوقات والأحوال، فهو وحده الذي يُدعى ويُسأل ويُرجى ويُتوكل عليه، وكل ما سواه فقيرٌ إليه" (١).

٤٣١ - قال أبو أحمد عبد اللَّه بن عدي بن محمد الحافظ الجرجاني: حدثنا أبو صالح القاسم بن الليث الراسبي (٢) أملى علي من حفظه وسألته سنة تسع وتسعين ومائتين قال: حدثنا محمد بن أبي صفوان الثقفي (٣) إملاءً


(١) انظر: مجموع الفتاوى (٨/ ١٦٩، ١٧٣).
(٢) القاسم بن الليث بن مسرور الرسعني أبو صالح نزيل تنيس ثقة س. التقريب لابن حجر (رقم ٥٤٨٦).
(٣) محمد بن عثمان بن أبي صفوان الثقفي ثقة د س. نفس المصدر (رقم ٦١٣١).