للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المطلب الثاني: الرد على أدلة الأشاعرة العقلية القائلين: بأن اللَّه تعالى يُرى في غير جهة.

[الرد على الدليل العقلي الأول]

أن قولهم: "أن كل موجود يُري" غير صحيح، حيث جعلوا ذلك عامًا لكل موجود كالأصوات والروائح والطعوم وغيرها، وهذه مكابرة للعقل، ومناقضة للواقع.

فإن المعاني ونحوها لا يمكن رؤيتها، ومن زعم ذلك فقد قال بالمحال، والتخبط في المقال، وقد اعترف كبار الأشاعرة المخالفين للأشعري نفسه بعدم صحة هذا الدليل، وعدم سلامته من الاعتراضات والإشكالات.

قال الرازي: "اعلم أن جمهور الأصحاب عولوا في إثبات أنه تعالى يصح أن يُرى على دليل الوجود، وأما نحن فعاجزون عن تمشيه، ونحن نذكر ذلك الدليل، ثم نوجه عليه ما عندنا من الاعتراضات" (١).

وقد اعترف الرازي بعد إيراده للاستشكالات والاعتراضات على دليل الوجود بعجزه عن الجواب عنها فقال: "فهذا ما عندي من الأسئلة في هذا الدليل، وأنا غير قادر على الأجوبة عنها. . . اعلم أن الدليل العقلي المعول عليه في هذه المسألة هذا الذي أوردناه وأوردنا عليه هذه الاسئلة واعترفنا بالعجز عن الجواب عنها" (٢).

وقال أيضًا: "ثبت أن صحة الرؤية حكم مشترك فيه بين الجواهر والأعراض والحكم المشترك فيه لا بد له من علة مشتركة فيها والمشترك بين الجوهر والعرض إما الحدوث أو الوجود والحدوث لا يصلح للعلية لأن الحدوث عبارة عن وجود بعد عدم والقيد العلمي لا يصلح للعلية فوجب أن تكون العلة هي الوجود واللَّه تعالى موجود فوجب القول بصحة رؤيته، وهذا عندي ضعيف" (٣).

ولذلك توقف الرازي في القول بالدليل العقلي لعدم صحته عنده وعدم سلامته من الاعتراضات والإشكالات.

قال في كتابه المطالب العالية: "الدلائل التي تمسك بها نفاة الرؤية في غاية الضعف والسقوط، وأما مثبتوا الرؤية فقد عولوا على أن قالوا: "اللَّه تعالى موجود، وكل موجود فإنه تصح رؤيته" ودليلهم في الإثبات: أن كل موجود تصح رؤيته، قد ذكرناه في أحكام الموجودات، وأوردنا عليه اعتراضات قوية لا يمكن دفعها البتة، وإذا عرفت ضعف دلائل الفريقين فنقول: بقي هذا البحث في محل التوقف" (٤).


(١) انظر: الأربعين في أصول الدين للرازي (١/ ٢٦٨).
(٢) انظر: نفس المصدر (١/ ٢٧٧).
(٣) انظر: معالم أصول الدين للرازي (ص ٢٦٨).
(٤) انظر: المطالب العالية للرازي (٢/ ٨٧).