للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المطلب الثالث: الأدلة الشرعية للأشاعرة القائلين: بأن اللَّه تعالى يُرى في غير جهة.

استدل الأشاعرة بالأدلة الواردة في القرآن والسنة على صحة رؤية اللَّه تعالى في الآخرة، وإمكان وقوعها. ومع قولهم بصحة ذلك إلا أنهم قد حكموا بأن دلالتها على الرؤية ظنية وليست قطعية.

قال الرازي: "المسألة العاشرة: قيل: الدلائل النقلية لا تفيد اليقين؛ لأنها مبنية على نقل اللغات ونقل النحو والتصريف، وعدم الاشتراك، وعدم المجاز، وعدم الإضرار، وعدم النقل، وعدم التقديم والتأخير، وعدم التخصيص، وعدم النسخ، وعدم المعارض العقلي، وعدم هذه الأشياء مظنون لا معلوم، والموقوف على المظنون مظنون، وإذا ثبت هذا ظهر أن الدلائل النقلية ظنية، وأن العقلية قطعية، والظن لا يعارض القطع" (١). وقد ذهب جمهورهم ومتأخروهم لذلك إلى عدم إثبات رؤية حقيقة بالأبصار، وإنما يحرفونها ويؤولونها إما مجازًا، أو زيادة علم وكشف، ويجعلونها في غير جهة.

ومن الأدلة التي استدلوا بها القرآن الكريم:

١ - قوله تعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (٢٢) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (٢٣)[القيامة].

قال الرازي: "والنظر إلى الشيء يوجب رؤيته، فجاز أن يكون المراد من النظر هو الرؤية على سبيل إطلاق اسم السبب على المسبب، وأيضًا حكى اللَّه تعالى عن الخليل أنه قال: ﴿إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ﴾ [الصافات: ٩٩] وليس المراد منه القرب بالجهة، فكذا ههنا" (٢).

وقال الغزالي: "وإن حصل له العلوم اليقينية إما على سبيل الحدس وإما على سبيل الفكر، ونزه أخلاقه وحسنها وعمل بموجب الشرع فله الدرجة العليا في السعادة، وله الوصول بلا انفصال وهو النظر الى الجمال الحق والجلال المحض، والكمال الصِّرْف، كما قال اللَّه تعالى: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (٢٢) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (٢٣)﴾ فحق العاقل أن يسعى لطلب تلك السعادة ويحترز عن مضادها وعوائقها" (٣)

وقال الجرجاني: "أمثال هذه الظواهر لا تفيد إلا ظنونًا ضعيفة جدًا، وحينئذ لا تصلح هذه الظواهر للتعديل عليها في المسائل العلمية التي يُطلبُ فيها اليقين" (٤).


(١) انظر: معالم أصول الدين للرازي (ص ٢٥).
(٢) انظر: تأسيس التقديس للرازي (ص ٢٠٩).
(٣) انظر: معارج القدس في مدارج معرفة النفس للغزالي (ص ١٤٥).
(٤) انظر: شرح المواقف للجرجاني (٨/ ١٥٠).