المطلب الثاني: الرد على شبه الفلاسفة والجهمية والمعتزلة وكثير من متأخري الأشاعرة القائلين بنفي صفة الفوقية للَّه تعالى.
الرد على الشبهة الأولى: وهي زعمهم أن ذلك يستلزم التشبيه والتجسيم.
يقال لهم أن ذلك باطل، لعدة وجوه:
١ - أن ما فَسَّر به هؤلاء اسم الواحد من هذه التفاسير التي لا أصل لها في الكتاب والسنة وكلام السلف والأئمة باطل بلا ريب شرعًا وعقلًا ولغةً:
أما في اللغة: فإن أهل اللغة مطبقون على أن معنى الواحد في اللغة ليس هو الذي لا يتميز جانب منه عن جانب ولا يرى منه شيء دون شيء، وإذا كان أهل اللغة متفقين على تسمية الجسم الواحد واحدًا امتنع أن يكون في اللغة معنى الواحد الذي لا ينقسم إذا أريد بذلك أنه ليس بجسم وأنه لا يشار إلى شيء منه دون شيء، بل لا يوجد في اللغة اسم واحد إلا على ذي صفة ومقدار: كقوله تعالى: ﴿خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾ [الزمر: ٦] وقال: ﴿ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (١١)﴾ [المدثر: ١١] وقال: ﴿وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ﴾ [النساء: ١١].
وأما العقل: فهذا الواحد الذي وصفوه يقول لهم فيه أكثر العقلاء وأهل الفطرة السليمة: إنه أمر لا يعقل ولا له وجود في الخارج، وإنما هو أمر مقدر في الذهن ليس في الخارج شيء موجود لا يكون له صفات ولا قدر ولا يتميز منه شيء عن شيء بحيث يمكن أن لا يرى ولا يدرك ولا يُحاط به وإن سماه المُسمِّي جسمًا، وأيضًا فإن التوحيد إثبات لشيء هو واحد، فلابد أن يكون له في نفسه حقيقة ثبوتية يختص بها ويتميز بها عما سواه حتى يصح أنه ليس كمثله شيء في تلك الأمور الثبوتية، ففي المثل والشريك يقتضي ما هو على حقيقة يستحق بها واحدًا.
وأما الشرع: فنقول مقصود المسلمين أن الأسماء المذكورة في القرآن والسنة وكلام المؤمنين المتفق عليه بمدح أو ذم يُعرّف مسميات تلك الأسماء حتى يعطوها حقها ومن المعلوم بالاضطرار أن اسم الواحد في كلام اللَّه لم يقصد به سلب الصفات وسلب إدراكه بالحواس ولا في الحد والقدر ونحو ذلك من المعاني التي ابتدع نفيها الجهمية وأتباعهم ولا يوجد نفيها في كتاب ولا سنة ولا عن صاحب ولا أئمة المسلمين (١).
٢ - أن الاعتماد في تنزيه الباري على نفي الجسم طريقة مبتدعة شرعًا متناقضة عقلًا، أما الشرع: فإنه لم يرد