للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المطلب الأول: شبه الجبرية النقلية في باب القدر، والرد عليهم (١).

استدل الجبرية لإثبات مذهبهم بعموم آيات من كتاب اللَّه تعالى وهي كما يلي:

أولًا: الآيات الدالة على إثبات عموم خلق اللَّه تعالى لكل شيء، مثل:

قوله تعالى: ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [الزمر: ٦٢] وقوله: ﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (٩٦)[الصافات: ٩٦].

قالوا: وأفعال العباد خلقها اللَّه وحده، وما دام كذلك فهم مجبورون على أفعالهم المخلوقة، فلا قدرة لهم فيها ولا اختيار.

ثانيًا: الآيات الدالة على إثبات المشيئة والاختيار للَّه تعالى وحده، ونفي ذلك عن العباد، ومن ذلك:

قول اللَّه تعالى: ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ﴾ [القصص: ٦٨].

وقوله: ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (٣٠)[الإنسان: ٣٠].

وقوله: ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (٢٩)[التكوير: ٢٩]. قالوا: وهذا يدل على أنه لا مشيئة للمخلوق، وأنه مجبور على ما شاء اللَّه تعالى منه من أفعال، فلا إرادة له ولا مشيئة.

الرد عليهم:

أن هذه الآيات التي استد ليتم بها تثبت أن اللَّه خالق كل شي وخالق للعباد وأفعالهم، وأن مشيئته عامة لكل شيء لا تخرج عنها أي مشيئة لمخلوق، ومع ذلك فليس فيها نفي قدرة العبد واختياره ومشيئته، بل وردت كثير من الآيات التي تثبت للعبد قدرة واختيارا ومشيئة، منها: قوله تعالى: ﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ [الكهف: ٢٩]، وقوله تعالى: ﴿اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [فصلت: ٤٠] وغيرها، وكذلك أثبتت أنهم يحاسبون على أعمالهم التي عملوها بقدرتهم مشيئتهم واختيارهم ويجازون عليها، كما قال تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ (٤٠)[غافر] فكما أثبتم خلق اللَّه لكل شيء بتلك الآيات، فيلزمكم أن تثبتوا للعبد قدرة واختيارًا بالآيات الآخرى، وهذا هو الحق الذي لا محيد عنه.

ثالثًا: الآيات الدالة على أن اللَّه تعالى هو الهادي لمن يشاء وهو المضل لمن يشاء، ومنها:


(١) انظر: القضاء والقدر في ضوء الكتاب والسنة ومذاهب الناس فيه لعبد الرحمن المحمود (ص ٣٣١).