للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[المطلب الثاني: شبه الجبرية العقلية في باب القدر، والرد عليهم.]

[الشبهة الأولى]

قالوا: لما كان اللَّه تعالى فعالًا وكان لا يشبهه شيء من خلقه وجب ألا يكون أحد فعالًا غيره، ومعنى إضافة الفعل إلى الإنسان إنما هو كما تقول: مات زيد، وإنما أماته اللَّه تعالى، وقام البناء وإنما أقامه اللَّه تعالى (١).

الرد عليهم: يقال لهم احتجاجكم بهذه الشبهة باطل وذلك لما يلي:

١ - أنه قد ثبت بالنص أن للإنسان أفعالًا وأعمالًا واختيارًا كما قال تعالى: ﴿كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (٧٩)[المائدة: ٧٩] فأثبت اللَّه لهم الفعل، وكما قال تعالى عن أهل الجنة: ﴿وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ﴾ فعلمنا أن للإنسان اختيارًا لأن أهل الدنيا وأهل الجنة سواء في أن اللَّه تعالى خالق أعمال الجميع. وهذا لا يتعارض مع قوله تعالى: ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ﴾ [القصص: ٦٨] الآية؛ لأن الاختيار الذي هو فعل للَّه تعالى -وهو منفي عما سواه- هو غير الاختيار الذي أضافه إلى خلقه ووصفهم به؛ لأن الاختيار الذي توحد اللَّه به هو أنه يفعل ما شاء كيف شاء وإذا شاء وليست هذه صفة شيء من خلقه، وأما الاختيار الذي أضافه اللَّه تعالى إلى خلقه فهو ما خلق فيهم من الميل إلى الشيء والإيثار له على غيره فقط.

٢ - أن الاشتراك في الأسماء لا يقع من أجله التشابه ألا ترى أنك تقول: اللَّه الحي، والإنسان حي، والإنسان حكيم كريم عليم، واللَّه تعالى حكيم كريم عليم، وليس هذا يوجب اشتباهًا بلا خلاف، وإنما يقع الاشتباه بالصفات الموجودة في الموصوفين، والفرق بين الفعل الواقع من اللَّه ﷿، والفعل الواقع منا هو: أن اللَّه تعالى اخترعه وجعله جسما أو عرضا أو حركة أو سكونا أو معرفة أو إرادة أو كراهية، وفعل ﷿ كل ذلك فينا بغير معاناة منه. وأما نحن فإنما كان فعلا لنا لأنه ﷿ خلقه فينا وخلق اختيارنا له وأظهره ﷿ فينا محمولا لاكتساب منفعة أو لدفع مضرة ولم نخترعه نحن (٢).


(١) انظر: الفصل لابن حزم (٣/ ١٤).
(٢) انظر: نفس المصدر لابن حزم (٣/ ١٥ - ١٦) باختصار.