وشرعًا: ما سبق به العلم وجرى به القلم، مما هو كائن إلى الأبد، وأنه ﷿ قدر مقادير الخلائق وما يكون من الأشياء قبل أن تكون في الأزل، وعلم ﷾ أنها ستقع في أوقات معلومة عنده - تعالى -، وعلى صفات مخصوصة، فهي تقع على حسب ما قدرها (١).
* المطلب الثاني: مراتب القدر أربعة وهي كالتالي:
المرتبة الأولى: العلم، وذلك بأن تؤمن بأن الله تعالى علم كل شيء جملةً وتفصيلًا، فعَلِمَ العباد وأعمالهم وأحوالهم وطاعاتهم ومعاصيهم بعلمه القديم الأزلي الذي لم يحدث بعد أن لم يكن؛ فإنه تعالى علم ما كان ولم يزل عالمًا بما سيكون. قال تعالى: ﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ [الأنعام: ٥٩].
المرتبة الثانية: الكتابة، وهو الإيمان بأن الله قدر مقادير الخلق، كتب ذلك على وفق ما علم قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، كما في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ﵄ عند مسلم عن النبي ﷺ أنه قال:"كَتَبَ اللهُ مَقَادِيرَ الخلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السِّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ"، والآيات الدالة على هاتين المرتبتين كثيرة منها: قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ [الحج: ٧٠].
المرتبة الثالثة: المشيئة، وهي عامة، فما من شيء في السماوات والأرض إلا وهو كائن بإرادة الله ومشيئته، فلا خروج لشيء عن مشيئته، فكل ما يجري في هذا الوجود فهو بمشيئة الله، فكل حركة وسكون، كل تغير بوجود أو عدم أو زيادة أو نقص على أي وجه كل ذلك بمشيئة الله، فلا يكون في ملكه ما لا يريد أبدًا. قال تعالى: ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [يس: ٨٢]، وقوله: ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ﴾ [الإنسان: ٣٠].
المرتبة الرابعة: الخلق، ومعناه: أن الله خالق كل شيء، فما من شيء في السماوات والأرض إلا الله خالقه ومالكه ومدبره وذو سلطانه، قال تعالى: ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [الزمر: ٦٢]،