للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الرد عليهم]

١ - أن إثباتهم قدرة للعبد غير مؤثرة باطل؛ فإنه إذا تبين أن اللَّه قد خلق العبد وخلق صفاته التي بها يقع الفعل من القدرة والإرادة وهما من أسباب العمل، وخلق أيضًا عمله على وفق سنته من تأثير الأسباب في مسبباتها فلا حرج بعد ذلك، ولا يلزم أن تكون الأسباب هي الخالقة للفعل.

٢ - أن التأثير إذا فسر بوجود شرط الحادث أو سبب يتوقف حدوث الحادث به على سبب آخر، وانتفاء موانع -وكل ذلك بخلق اللَّه تعالى- فهذا حق، وتأثير قدرة العبد في مقدورها ثابت بهذا الاعتبار، وإن فسر التأثير بأن المؤثر مستقل بالأثر من غير مشارك معاون ولا معاون مانع، فليس شيء من المخلوقات مؤثرا، بل اللَّه وحده خالق كل شيء لا شريك له ولا ند له، فيما شاء اللَّه كان وما لم يشأ لم يكن. . . فإذا عرف ما في لفظ "التأثير من الإجمال والاشتراك ارتفعت الشبهة، وعرف العدل المتوسط بين الطائفتين (١).

٣ - التأثير اسم مشترك، قد يراد بالتأثير الانفراد بالابتداع والتوحيد بالاختراع فإن أريد بتأثير قدرة العبد هذه القدرة فحاشا للَّه لم يقله سني، وإنما هو المعزو إلى أهل الضلال، وإن أريد بالتأثير نوع معاونة إما في صفة من صفات الفعل أو في وجه من وجوهه -كما قاله كثير من متكلمي أهل الإثبات- فهو أيضًا باطل بما به بطل التأثير في ذات الفعل؛ إذ لا فرق بين إضافة الانفراد بالتأثير إلى غير اللَّه سبحانه في ذرة أو فيل، وهل هو إلا شرك دون شرك وإن كان قائل هذه المقالة ما نحا إلا نحو الحق. وإن أريد بالتأثير أن خروج الفعل من العدم إلى الوجود كان يتوسط القدرة المحدثة، بمعنى أن القدرة المخلوقة هي سبب وواسطة في خلق اللَّه الفعل بهذه القدرة، كما خلق النبات بالماء، وكما خلق الغيث بالسحاب، وكما خلق جميع المسببات والمخلوقات بوسائط وأسباب، فهذا التفسير إلى قدرة العبد شركا، وإلا فيكون إثبات جميع الأسباب شركًا، وقد قال الحكيم الخبير: ﴿فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ﴾ [الأعراف: ٥٧]. ﴿فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ﴾ [النمل: ٦٠].

وقال تعالى: ﴿قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ﴾ [التوبة: ١٤]. فبين أنه المعذِّب، وأن أيدينا أسباب وآلات وأوساط وأدوات في وصول العذاب إليهم (٢).


(١) انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية (٨/ ١٣٤ - ١٣٥) باختصار.
(٢) انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية (٨/ ٣٨٩ - ٣٩٠).