للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[د- التحالف مع التتار]

كان من نتائج الصراع والتنافس على السلطة أيضًا، أن تحالفَ بعضُ ولاةِ المسلمين مع التتار ضد المسلمين، وبلغ الحال ببعضهم كذلك إلى مراسلة التتار وترغيبهم وحثهم على الاستيلاء على بلاد المسلمين واحتلالها، ومن الأمثلة على ذلك:

١ - ما قام به الأمير سليمان بن المؤيد بن عامر المقدسي العقربائي الطبيب، الزين الحافظي (١)، حيث أطمع هولاكوا باحتلال بلاد الشام، وذلك أيام الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن العزيز محمد الأيوبي عام ٦٦٠ هـ.

قال ابن شاكر الكتبي: "لما جاءت رسل التتار يطلبون البلاد، ويشترطون ما يحمل إليهم من المال فبعث الملك الناصر زين الدين رسولًا إلى هولاكو، فأحسن إليه واستماله، فصار من جهته، ومازج التتار، وتردد في المراسلات مرات، وأطمع التتار في البلاد، وهول على الملك الناصر أمرهم وعظَّم شأنهم، ووصف عساكرهم وصغر شأن الناصر ومن معه من العساكر حتى أوقفه على الحرب؛ فلما جاءت التتار إلى حلب ونازلها هولاكو، هرب الناصر من دمشق إلى مصر، وخرجت عساكر مصر وملكها قطز، فانكسر الناصر وملكت التتار دمشق، وصار زين الدين يأمر بها وينهى، وبقي معه جماعة، حتى كانوا يدعونه الملك زين الدين، ولما كُسر التتارُ على عين جالوت، وانهزم ملك التتار ومن معه من دمشق، توجه زين الحافظي معهم خوفًا على نفسه من المسلمين، وبعد مُدة أحضره هولاكو بين يديه وقال له: ثبتِ عندي خيانتك وتلاعبك بالدول: خدمت صاحب بعلبك (٢)، ثم خدمت صاحب جَعْبَرٍ (٣)، وصاحب دمشق، وخُنتَ الجميع، وانتقلتَ إليَّ


(١) سليمان بن المؤيد بن عامر العقرباني المعروف بالزين الحافظي، وقال له: قد ثبت عندي خيانتك. وقد كان هذا المغتر لما قدم التتار مع هولاكو دمشق وغيرها مالأ على المسلمين وآذاهم، ودل على عوراتهم، حتى سلطهم اللَّه عليه بأنواع العقوبات والمثلات، وفي الجملة من أعان ظالما سلط عليه، فإن اللَّه ينتقم من الظالم بالظالم، ثم ينتقم من الظالمين جميعا. انظر: البداية والنهاية لابن كثير (١٧/ ٤٥٨).
(٢) مدينة بينها وبين دمشق ثلاثة أيام، بها أبنية عجيبة وآثار عظيمة، وقصور على أساطين الرّخام، لا نظير لها في الدنيا. انظر: مراصد الاطلاع للقطيعي (ص ٢٠٨).
(٣) قلعة جعبر على الفرات بين بالس والرّقّة قرب صفّين، وكانت قديما تسمّي دوسر فملكها رجل من بني قشير أعمى يقال له جعبر بن مالك. انظر: معجم البلدان لياقوت (٢/ ١٤٢).