للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بَابُ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ الجَنَّةَ فَوْقَ السَّمَاءِ (١)

﴿جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ﴾ [الفرقان: ١٥].

[٩٢٠] وَذُكِرَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ صَاحِبِ "الْمَغَازِي": «أَنَّ آدَمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وُلِدَ لَهُ فِي الجَنَّةِ وَلَدٌ» (٢).

- وَلَمْ تَكُنْ تِلْكَ جَنَّةَ الخُلْدِ (٣)، وَلِذَلِكَ قَالَ: ﴿اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ﴾


(١) سيذكر المصنِّف فيه ثلاثة أخبار عن الجنة، ثم يعود إلى سرد الأحاديث والآثار عن العرش.
(٢) مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: هو ابْنِ يَسَارٍ، صدوق يدلِّس، ورُمِيَ بالتشيع والقَدَرِ، مضى [٨٧٥].
وأخرجه الطبري في تاريخه (١/ ١٣٩) قال: حدثنا ابن حُميد، قال: حدثنا سلمة، قال: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ بَعْضِ أَهْلِ العلم من أهل الكتاب الأول … فذكر قصةً، وفيها أن "قين" - وهو قابيل - وتوأمته: هما اللذان ولدا في الجنة، أما هابيل وتوأمته ففي الأرض. وهذا إسناد ضعيف جدا، ولا تصح هذه القصة بحال، وهي من الإسرائيليَّات.

ثم ذكر الطبري في تاريخه (١/ ١٤٠) بنفس هذا الإسناد: قصة أخرى شديدة النكارة، ذُكِرَ فيها ولادة قابيل وتوأمته في الجنة.
(٣) هذا رأي المصنِّف ﵀ في مسألة (الجنة التي كان فيها آدم ﵇)، وكأنَّه تابع فيها شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀.
وكان آخر القولين لشيخ الإسلام: أنَّ الجنة التي كان فيها آدم ﵇ هي غير جنة الخلد، وأنها لم تكن في السماء. قال: (ولهذا كان أصحّ القولين: أن جنة آدم جنّة التكليف، لم تكن في السماء). انظر: النبوَّات (٢/ ٧٠٥) وهو من آخر ما ألَّفه شيخ الإسلام.
وأما القول الأول لابن تيمية فهو: أنَّ الجنة التي كان فيها آدم هي "جنة الخُلد"، قال: (وَالْجَنَّةُ الَّتِي أَسْكَنَهَا آدَمَ وَزَوْجَتَهُ عِنْدَ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ: هِيَ جَنَّةُ الْخُلْدِ. وَمَنْ قَالَ: إنَّهَا جَنَّةٌ فِي الْأَرْضِ بِأَرْضِ الْهِنْدِ أَوْ بِأَرْضِ جُدَّةَ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَهُوَ مِنْ الْمُتَفَلْسِفَةِ وَالْمُلْحِدِينَ أَوْ مِنْ إخْوَانِهِمْ الْمُتَكَلِّمِينَ الْمُبْتَدِعِينَ؛ فَإِنَّ هَذَا يَقُولُهُ مَنْ يَقُولُهُ مِنْ الْمُتَفَلْسِفَةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ، وَالْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ يَرُدُّانِ هَذَا الْقَوْلَ، وَسَلَفُ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتُهَا مُتَّفِقُونَ عَلَى بُطْلَانِ هَذَا الْقَوْلِ)، مجموع الفتاوى (٤/ ٣٤٧).
وجمهور أهل العلم على أنَّها هي جنة الخلد كما يدل عليه ظاهر الآيات والأحاديث، قال ابن القيم في مفتاح دار السعادة: والأشهر عِنْد الْخَاصَّة والعامة - الَّذِي لَا يخْطر بقلوبهم سواهُ -: أنها جنَّة الْخلد الَّتِي أُعدت لِلْمُتقين، وَقد نَص غير وَاحِد من السّلف على ذَلِك.

وانظر تفصيل الأقوال وأدلتها في: حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح (ص ٢٢) مفتاح دار السعادة (١/ ١٤) البداية والنهاية (١/ ١٧٥) تفسير القرآن العظيم (١/ ٢٣٨) [البقرة: ٣٦].