للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تَشْهَدُوهُمْ" (١).

قال ابن تيمية: "وزعمت القدرية أن الله يخلق الخير وأن الشيطان يخلق الشر، وزعموا أن الله شاء ما لا يكون خلافا لما أجمع عليه المصلون من أن ما شاء الله كان وما لا يشاء لا يكون، وردا لقول الله: ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ﴾ [الإنسان: ٣٠]، فأخبر أنا لا نشاء شيئا، إلا وقد شاء أن نشاءه. ولهذا سماهم رسول الله مجوس هذه الأمة؛ لأنهم دانوا بديانة المجوس، وضاهوا قولهم، وزعموا أن للخير والشر خالقين كما زعمت المجوس، وأنه يكون من الشر ما لا يشاؤه الله كما قالت المجوس ذلك، وزعموا أنهم يملكون الضر والنفع لأنفسهم ردا لقول الله: ﴿قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ﴾ [الأعراف: ١٨٨]، وانحرافا عن القرآن وعما أجمع المسلمون عليه. وزعموا أنهم ينفردون بالقدرة على أعمالهم دون ربهم، وأثبتوا لأنفسهم غنى عن الله ووصفوا أنفسهم بالقدرة على ما لم يصفوا الله بالقدرة عليه، كما أثبتت المجوس للشيطان من القدرة على الشر ما لم يثبتوه لله ﷿. فكانوا مجوس هذه الأمة إذ دانوا بديانة المجوس وتمسكوا بأقوالهم ومالوا إلى أضاليلهم" (٢).

وإن كانت بعض الأحاديث التي أوردها المصنف ضعيفة الإسناد إلا أن معناها صحيح؛ لأن أهل البدع لا يجالسون؛ لأنهم يخوضون في آيات الله، والقدرية من أهل البدع. قال تعالى: ﴿وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [الأنعام: ٦٨].

ولما يترتب على ذلك من خشية تأثيرهم على القلوب بنشر شبههم وأقوالهم الباطلة.

ولهذا كان الأئمة يحذرون من الجلوس معهم ومن مجادلتهم.

[المسألة الثالثة: أفعال العباد]

أورد المصنف في كتابه باب قول الله تعالى: ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ﴾ [الإنسان: ٣٠]. وقد سلك في ذلك منهج علماء السلف في بيان حقيقة أفعال العباد وقدرتهم ومشيئتهم، وبيان أنها لا تخرج عن مشيئة الله ، وأن الله خالقهم وخالق أفعالهم، فذكر جملة من الآيات والأحاديث الدالة على ذلك، ونقل قول الطلمنكي في رده على


(١) يأتي تخريجه في الحديث رقم (٣٠٠) و (٢٧٣).
(٢) الفتاوى الكبرى لابن تيمية (٦/ ٦٥٤، ٦٥٥)، وبيان تلبيس الجهمية له (٢/ ٥٨٨، ٥٨٩).