للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويتجافى عن الحضور في مجالسهم سعى إليه وسمع عليه. تردد إلى الحافظ الأصفهاني (١) بالإسكندرية حرسها اللَّه تعالى وروى عنه أحاديث كثيرة، وكان رحمه اللَّه تعالى يحب أن يقرأ الحديث بنفسه وكان يستحضرني في خلوته ويحضر شيئًا من كتب الحديث ويقرأها هو فإذا مر بحديث فيه عبرة رق قلبه ودمعت عينه" (٢).

٥ - ما تميز به السلطان الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون الألفي الصالحي المتوفي عام ٧٤١ هـ من صفات جليلة، واهتمام بالعلم والعلماء، وعنايته بمجالس العلم والرواية، واختيار من هو أهلٌ للمناصب الشرعية.

قال الحافظ ابن حجر: "ولم ير أحدٌ مثل سَعَادَةِ مُلْكِهِ وعَدم حَرَكةِ الأعادي عليه برًا وبحرًا مع طول المدة، فمنذ وقعة شَقْحَب إلى أن مات لم يخرج عليه أحد، ووجدت له إجازة بخط البرزالي من ابن مُشرق وعيسى المغاري وجماعة، وسمع من ست الوزراء، وابن الشحنة، وخرج له بعض المحدثين جزءًا، وكان مطاعًا مهيبًا عارفًا بالأمور، يُعظِّمُ أهلَ العلم، والمناصب الشرعية لا يقرر فيها إلا من يكون أهلًا لها ويتحرى لذلك ويبحث عنه ويبالغ" (٣).

بهذا كانت الأمة منصورة، ودول الكفر مقهورة، فالعلم هو خير ما سَعى له المرء وبه عَمِل، والعلماء هم ورثة الأنبياء والرسل.

رابعًا: بناء دور الحديث والمدارس:

لقد اهتم العلماء والسلاطين ببناء دور الحديث والمدارس، وعينوا علماء شيوخًا يتولونها، ورتبوا أوقافًا للشيوخ والطلاب، لتقوم بكفايتهم في ما يحتاجونه من المأكل والملبس والمسكن، وكان لتلك المدارس ودور الحديث وللشيوخ والعلماء أكبر الدور في نشر العلم وحفظه.

ومن أمثلة ذلك:

[أ- دار الحديث الضيائية]

تقع في جبل قاسيون ظاهر دمشق، وهي منسوبة للإمام الحافظ ضياء الدين محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن عبد الرحمن بن إسماعيل، أبو عبد اللَّه السعدي المقدسي، ثم الدمشقي الصالحي المتوفى سنة ٦٤٣ هـ.


(١) هو الإمام المشهور أبو طاهر السِّلفي الأصبهاني.
(٢) انظر: النوادر السلطانية والمحاسن اليوسفية لبهاء الدين بن شداد (ص ٣٦ - ٣٧).
(٣) انظر: الدرر الكامنة لابن حجر (٥/ ٤٠٨).