أن العقل لا يمنع رؤية اللَّه تعالى، لأن كل موجود صح وجوده وثبت كانت رؤيته ممكنة، وما كانت رؤيته ممتنعة أو متعذرة فهو المعدوم، وكذلك إذا كانت الرؤية إنها تثبت للشيء لكماله، فاللَّه تعالى أولى بالكمال فتكون الرؤية في حقه تعالى أولى، ورؤيته تعالى في الدنيا عيانًا ممتنعة لضعف الإنسان وعجزه، أما في الآخرة فهي ثابتة متحققة.
قال ابن تيمية:"معلوم أن الرؤية تعلق بالموجود دون المعدوم، ومعلوم أنها أمر وجودي محض لا يسيطر فيها أمر علمي وإذا كانت أمرا وجوديا محضا، ولا تتعلق إلا بالموجود فالمصحح لها الفارق بين ما يمكن رؤيته وما لا يمكن رؤيته: إما أن يكون وجودا محضًا، أو متضمنًا أمرًا عدميًا. والثاني باطل لأن العدم لا يكون له تأثير في الوجود المحض فلا يكون سببًا له، ولا يكون أيضًا شرطًا أو جزءًا من السبب إلا أن يتضمن وجودًا فيكون ذلك الوجود هو المؤثر في الوجود ويكون ذلك العدم دليلًا عليه ومستلزمًا له ونحو ذلك، وهذا من الأمور البينة عند التأمل. وإذا كان المقتضى جواز الرؤية، والمصحح للرؤية، والفارق بينما تجوز رؤيته وبينما لا تجوز: إما أن يكون وجودًا محضًا فلا حاجة بنا إلى تعيينه، سواء قيل هو مطلق الوجود أو القيام بالنفس، أو بالعين بشرط المقابلة والمحاذاة، أو غير ذلك مما يقال إنه مع وجوده تصح الرؤية ومع عدمه تمتنع، لكن المقصود أنه أمور وجودية، وإذا كان كذلك فقد علم أن اللَّه تعالى هو أحق بالوجود، وكماله من كل موجود، إذ وجوده هو الوجود الواجب، ووجود كل ما سواه هو من وجوده، وله الكمال التام في جميع الأمور الوجودية المحضة فإنها هي الصفات التي بها يكون كمال الوجود، وحينئذ فيكون اللَّه -وله المثل الأعلى- أحق بأن تجوز رؤيته لكان وجوده، ولكن لم نره في الدنيا لعجزنا عن ذلك وضعفنا كما لا نستطيع التحديق في شعاع الشمس"(١).
وقال ابن القيم: "إن الرؤية أمر وجودي لا يتعلق إلا بموجود، وما كان أكمل وجودا كان أحق بأن يرى، فالباري سبحانه أحق بأن يرى من كل ما سواه؛ لأن وجوده أكمل من وجود كل ما سواه، يوضحه: أن تعذر الرؤية: إما خفاء المرئي، وإما لآفة وضعف في الرائي، والرب سبحانه أظهر من كل موجود، وإنما تعذرت رؤيته في الدنيا لضعف القوة الباصرة عن النظر إليه، فإذا كان الرائي في دار البقاء كانت قوة الباصرة في غاية القوة لأنها دائمة فقويت على رؤيته تعالى، وإذا جاز أن يرى سبحانه فالرؤية المعقولة عند جميع بني آدم