للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المطلب الثالث: الأدلة العقلية التي استدل بها المعطلة لنفي رؤية اللَّه تعالى في الدار الآخرة.

استدل المعطلة من الجهمية والمعتزلة ومن تبعهم على مذهبهم بأدلة عقلية، وهي شبهات إبليسية، جعلوها حجة في معارضتهم للآيات الكريمة والأحاديث الثابتة الصحيحة، وهي كما يلي:

أولًا: دليل الموانع: وهو زعمهم أن اللَّه ﷿ لا يُرى لاستحالة رؤيته، وليس لامتناعها، ففرق بين النوعين. قال القاضي عبد الجبار المعتزلي: "ما لا يُرى ينقسم إلى: ما لا يُرى لمنع، وإلى ما لا يُرى لاستحالة الرؤية عليه، والقديم تعالى إنما يُرى لاستحالة الرؤية عليه لا لمنع" (١).

وقال أيضًا: "والموانع المعقولة من الرؤية ستة: الحجاب، والرقة، واللطافة، والبعد المُفرِط، وكون المرئي في غير جهة محاذاة الرائي، وكون محله ينقض هذه الأوصاف، وشيء منها لا يجوز على اللَّه تعالى بحال من الأحوال (٢).

وهذه الشروط الستة الأخيرة لا يمكن اعتبارها إلا في رؤية الأجسام، واللَّه تعالى ليس بجسم، فلا يمكن اعتبار هذه الشرائط في رؤيته، فعلى هذا ولو صحت رؤيته لوجب أن لا يصير في حصول رؤيته إلا أمران: سلامة الحاسة، وكونه بحيث يصح أن يُرى، وهذان الأمران حاصلان الآن، فثبت أنه لو صحت رؤيته لوجب أن نراه الآن، ولمَّا لم يكن الأمر كذلك وجب أن يقال: إنما لا نراه الآن لأنه لا تصح رؤيته (٣).

والموانع على ضربين: أحدهما ما يمنع بنفسه، والثاني: يمنع بشرط.

أما المانع بنفسه فهو: كالحجاب، وكون المرئي في غير جهة محاذاة الرائي.

وأما المانع بشرط فهو على قسمين:

الأول: ما يمنع لأمر يرجع إلى الرائي.

والثاني: ما يمنع لأمر يرجع إلى المرئي.

وما يرجع إلى الرائي: فهو كالرقة واللطافة، فإنه إنما يمنع لأمر يرجع إلى الرائي وهو ضعف الشعاع. وأما ما يرجع إلى المرئي: فنحو البعد المُفْرِط، فإنه إنما لا يُرى لبعده، حتى لو قربُ لرُئي (٤).


(١) انظر: شرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار المعتزلي (ص ٢٥٣).
(٢) انظر: شرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار المعتزلي (ص ٢٥٧ - ٢٥٨) والأربعين في أصول الدين للرازي (١/ ٢٩٧ - ٢٩٨).
(٣) انظر: الأربعين في أصول الدين للرازي (١/ ٢٩٧).
(٤) انظر: شرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار المعتزلي (ص ٢٥٩ - ٢٦٠).