للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المطلب الرابع: الرد على شبه المعطلة في استدلالهم بالأدلة العقلية لنفي رؤية اللَّه تعالى في الدار الآخرة.

[الرد على الدليل الأول وهو دليل الموانع]

١ - قال الرازي: لا نسلم أن عند حصول الشرائط الثمانية يجب حصول الإبصار، ويدل على أنه غير واجب عقلًا وجهان:

أولا: أنا نرى الجسم الكبير من البعد صغيرًا وإن رأينا جميع أجزائه، وجب أن لا نراه صغيرًا، بل كبيرًا، وإن لم نر شيئًا من أجزائه وجب ألا نراه البتة. وإن رأينا بعض أجزائه دون البعض مع أن جميع الأجزاء بالنسبة إلى "القرب والبعد واللطافة والكثافة وعدم الحجاب وسلامة الحاسة وصحة الرؤية" متساوية لزم أن لا يكون الإدراك مع حصول هذه الشروط متساويًا.

ولا يقال: إنا إذا أبصرنا شيئًا اتصل بطرفيه من العين خطان شعاعيان كساقي المثلث، وصار عرض المرئي كمالخط الثالث، فحصل هناك مثلث، ثم يخرج من نقطة الناظر خط آخر إلى وسط المرئي قائم عليه، يقسم ذلك المثلث الأول إلى مثلثين، وكل واحد منهما مثلث قائم الزاوية، وهذا يصلح أن يكون وترا لكل واحد من الزاويتين الحادتين الواقعتين على طرفي المثلث الأول الكبير، والخطان الطرفيان كل واحد منهما وتر للزاويتين القائمتين، ولا شك أن وتر القائمة أعظم من وتر الحادة، فالخطان الطرفيان كل واحد منهما أطول من الخط الوسطي، وإذا كان ذلك كذلك لم تكن أجزاء المرئي بالنسبة إلى الرائي متساوية في القرب والبعد، لأنا نقول: لنفرض أن هذا التفاوت واقع بمقدار شبر، فلو كان المانع من الرؤية هذا القدر من التفاوت في البعد لكنا إذا جعلنا المرئي أبعد مما كان قبل ذلك بمقدار شبر وجب أن لا نراه البتة، لكنا نراه، فعلمنا أنه ليس السبب في عدم رؤية بعض الأجزاء ذلك القدر من التفاوت في البعد" (١).

فإن قيل: لا يلزم من رؤيتنا جميع أجزائه أن نراه كبيرا، وإنما يلزم ذلك أن لو كانت رؤيته صغيرا وكبيرا بحسب رؤية الأجزاء وعدمها وهو ممنوع.

قلنا: وضعفه ظاهر بناء على تركب الأجزاء التي لا تتجزأ، إذ على هذا التقدير إن رأى الأجزاء كلها وجب أن يرى الجسم كما هو في الواقع سواء كان قريبا أو بعيدا، وذلك لأن الرؤية لكلٍّ منها أو بعضها أصغر مما هو عليه توجب الانقسام فيما لا يتجزأ لثبوت ما هو أصغر منه، ورؤية كل من الأجزاء أكبر مما هو عليه


(١) انظر: الأربعين في أصول الدين للرازي (١/ ٣٠١ - ٣٠٢).