للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بسبب ذلك خلق كثير، وماء الأذن مُرّ؛ ليمنع دخول الهوام إلى الأذن، وماء الفم عذب؛ ليطيب به ما يأكله، فلو جعل اللَّه ماء الفم مرًا، لفسد الطعام على أكلته، ولو جعل ماء الأذن عذبًا، لدخل الذباب في الدماغ" (١).

٥٣ - فصل (٢).

قوله: ﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا﴾ [الزمر: ٤٢] الآية، فيها قولان:

أحدهما: أنَّ المُمسَكَةَ من تُوفيت وفاة الموت أولًا، والمرسلة من تُوفيت وفاة النوم، والمعنى على هذا القول: أنه يتوفي نفس الميت فيمسكها ولا يُرسلها إلى جسدها قبل يوم القيامة، ويَتوفى نفس النائم ثم يُرسلها إلى جسدها إلى بقية أجله فيتوفاها الوفاة الأخرى.

والقول الثاني في الآية: أنَّ المُمسَكَةَ والمُرسَلَةَ في الآية كلاهما تُوفي وفاة النوم فمن استكملت أجلها أمسكها عنده فلا يردها إلى جسدها، ومن لم تستكمل أجلها ردها إلى جسدها فتستكمله (٣).

قال أبو عبد اللَّه بن القيم: "واختار شيخ الإسلام هذا القول (٤)، وقال: يدل عليه الكتاب والسنة، قال: فإنه سبحانه ذكر إمساك التي قضى عليها الموت من هذه الأنفس التي توفاها وفاة النوم، وأما التي توفاها حين نومها فتلك لم يصفها بإمساك ولا بإرسال بل هي من قسم ثالث" (٥).

قال ابن القيم: "والذي يترجَّح هو القول الأول؛ لأنه أخبر سبحانه بوفاتين: وفاة كُبرى وهي وفاة الموت، ووفاة صُغرى وهي وفاة النوم، وقسم الأرواح قسمين: قسمًا قضي عليها الموت فأمسكها عنده، وقسمًا وهي التي توفاها وفاة الموت، وقسمًا لها بقية أجل فردها إلى جسدها إلى استكمال أجلها، وجعل سبحانه الإمساك والإرسال حكمين للوفاتين المذكورتين أولًا فهذه ممسكة وهذه مرسلة، وأخبر أن التي لم تمت هي التي توفاها في منامها، فلو


(١) انظر: النبوات لابن تيمية (٢/ ٩٢).
(٢) هذا الفصل فيه بيان معنى النفس الممسكة، والنفس المرسلة، واللتان ورد ذكرهما في الآية الكريمة.
(٣) انظر: شرح حديث النزول لابن تيمية (ص ٩٤).
(٤) لكن قال شيخ الإسلام ابن تيمية في شرح حديث النزول (ص ٩٤) وهو في مجموع الفتاوى (٥/ ٤٥٣): "والتحقيق أن الآية تتناول النوعين؛ فإن اللَّه ذكر توفيتين: توفي الموت، وتوفي النوم، وذكر إمساك المتوفاة وإرسال الأخرى. ومعلوم أنه يمسك كل ميتة، سواء ماتت في النوم أو قبل ذلك، ويرسل من لم تمت. وقوله: ﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا﴾ يتناول ما ماتت في اليقظة وما ماتت في النوم، فلما ذكر التوفيتين ذكر أنه يمسكها في أحد التوقيتين ويرسلها في الأخرى، وهذا ظاهر اللفظ ومدلوله بلا تكلف".
(٥) انظر: الروح لابن القيم (ص ٢١) ومجموع الفتاوى لابن تيمية (٥/ ٤٥٢).