للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٤ - أن الذي عليه السلف وأتباعهم وأئمة أهل السنة وجمهور أهل الإسلام المثبتون للقدر، المخالفون للمعتزلة: إثبات الأسباب، وأن قدرة العبد مع فعله لها تأثير كتأثير سائر الأسباب في مسبباتها، واللَّه تعالى خلق الأسباب والمسببات، والأسباب ليست مستقلة بالمسببات، بل لا بد لها من أسباب أخر تعاونها، ولها مع ذلك أضداد تمانعها، والسبب لا يكون حتى يخلق اللَّه جميع أسبابه، ويدفع عنه أضداده المعارضة له، وهو سبحانه يخلق جميع ذلك بمشيئته وقدرته كما يخلق سائر المخلوقات، فقدرة العبد سبب من الأسباب، وفعل العبد لا يكون بها وحدها، بل لا بد من الإرادة الجازمة مع القدرة، وإذا أريد بالقدرة القوة بالإنسان فلا بد من إزالة الموانع كإزالة القيد والحبس ونحو ذلك، والصاد عن السبيل كالعدُوِّ وغيره (١).

[الشبهة الثالثة]

أنه لا يجوز أن يحدث الفعل على حقيقته إلا من محدث أحدثه وقصد إلى فعله، ذلك أنا وجدنا الكفر قبيحًا فاسدًا باطلًا متناقضًا، ووجدنا الإيمان حسنًا متعبًا مؤلمًا، ووجدنا الكافر يقصد إلى أن يكون الكفر حسنًا حقًا فيكون خلاف قصده، ووجدنا الإيمان لو شاء المؤمن أن لا يكون متعبًا مؤلمًا لم يكن ذلك كائنًا على حسب مشيته وإرادته، ولن يجوز أن يكون محدث الكفر الكافر الذي يريده حسنًا صوابًا حقًا على خلاف ذلك، وكذلك المؤمن الذي لو جهد أن يقع الإيمان خلاف ما وقع من إيلامه وإتعابه لم يكن إلى ذلك سبيل، وإذا لم يجز ذلك فقد وجب أن يكون محدث ذلك هو اللَّه تعالى رب العالمين القاصد إلى ذلك (٢).

[الرد عليهم]

١ - أن اللَّه تعالى خلق العبد وأفعاله، والعبد فاعل تفعله حقيقة، وقد أثبت المشيئة للعبد في آيات كثيرة، وأثبت له قدرة واختيارًا وهي لا تخرج عن مشيئة اللَّه وقدرته، ونسب اللَّه الفعل للعبد فيما يأتيه من إيمان أو كُفر، والعبد يُسمَّى مؤمنًا بإيمانه هو وفعله للإيمان بنفسه، والكافر كذلك يُسمى كافرًا بكفره وفعله للكفر بنفسه، كما قال تعالى عن المؤمن: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا﴾ [الحجرات: ١٥] وقال: ﴿هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا﴾ [الأنفال: ٤] وقال عن الكفر: ﴿فَمَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتًا﴾ [فاطر: ٣٩].

٢ - من المسلم به أنه لا دخل لقدرة العبد في خلاف شيء قدَّره اللَّه وقضاه كونًا، فالخلق كلهم لا يخرجون عن ذلك أبدًا، أما ما قدره اللَّه وقضاه دينًا وشرعًا، فقد يفعله العبد وقد يخالفه بقدرته اختياره


(١) انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية (٨/ ٤٨٧ - ٤٨٨).
(٢) انظر: اللمع في الرد على أهل الزيغ والبدع للأشعري (ص ٧١ - ٧٢) باختصار.