للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومما يوضحه: "أن أصحاب موسي سألوا موسى رؤية اللَّه في الدنيا إلحافًا فقالوا: ﴿لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً﴾ [البقرة: ٥٥] لم يقولوا: حتى نرى اللَّه في الآخرة، ولكن في الدنيا، وقد سبق من اللَّه القول بأنه: ﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ﴾ [الأنعام: ١٠٣] أبصار أهل الدنيا فأخذتهم الصاعقة بظلمهم وسؤالهم ما حظره على أهل الدنيا، ولو قد سألوه رؤيته في الآخرة كما سأل أصحاب محمد محمدًا لم تصبهم تلك الصاعقة ولم يقل لهم إلا ما قال محمد لأصحابه إذ سألوه: هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال: (نعم لا تضارون في رؤيته) فلم يعبهم اللَّه تعالى ولا رسوله بسؤالهم عن ذلك بل حَسَّنه لهم وبشَّرهم بشرى جميلة" (١).

[الرد على حجتهم الرابعة]

أن دلالة الآية على إثبات الرؤية أدل منها على امتناعها، وذلك لما يلي:

١ - أنه أثبت التكليم من وراء حجاب، ولا يكون حجاب إلا لرؤية (٢).

٢ - أن التكليم من وراء حجاب نوع غير الوحي، ويقتضي وأن المكلَّم بذلك محجوب أن يرى اللَّه؛ لأن التكليم المسموع قد يكون مع رؤية المستمع للمتكلم، وقد يكون مع كونه محجوبًا عنه، بخلاف الوحي، فإنه يقع في قلبه (٣).

٣ - أن الحجاب عن الرؤية المذكور في الآية الكريمة إنما هو في الدنيا، فلا يمكن لمخلوق أن يرى اللَّه تعالى، أما الآخرة، فاللَّه تعالى يرفع الحجاب عمن شاء من خلقه فيرونه عَيانًا كما روى عن عدي بن حاتم قال: قال رسول اللَّه : "ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه، ليس بينه وبينه ترجمان، ولا حجاب يحجبه" (٤).

* * *


(١) انظر: نقض الدّارميّ على بشر المريسيّ (١/ ٣٦٧) تحقيق: رشيد الألمعي. الناشر: مكتبة الرشد الرياض. الطبعة الأولى ١٤١٨ هـ.
(٢) انظر: بيان تلبيس الجهمية لابن تيمية (٤/ ٤٥٤).
(٣) انظر: درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية (١٠/ ٢١٣).
(٤) انظر: أخرجه البخاري (رقم ٦٥٣٩ و ٧٥١٢ و ٧٤٤٣) واللفظ له، ومسلم (رقم ١٠١٦) وغيرهما.