للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المطلب الأول: شبه الفرقة الأولى وهم الفلاسفة والجهمية والمعتزلة وكثير من متأخري الأشاعرة النافين لصفة العلو الذاتي والفوقية للَّه تعالى.

استدل الفلاسفة والمعتزلة من تبعهم بعدة شبه زعموا أنها حجج، وإنما هي في الطغيان لُجج، وقد تمسكوا بتلك الشبه فنفوا علوا اللَّه تعالى وفوقيته، بل نفوا جميع ما له من الصفات الثابتة.

قال ابن سينا: "إن واجب الوجود ليس بجسم، ولا مادة جسم، ولا صورة جسم، ولا مادة معقولة لصورة معقولة، ولا صورة معقولة في مادة معقولة، ولا له قسمة لا في الكم ولا في المبادئ ولا في القول، فهو واحد من هذه الجهات الثلاث" (١).

وهذ سرد مختصر لتلك الشبه:

١ - أن اللَّه تعالى واحد بسيط، وإثبات تلك الصفة يستلزم التشبيه والتجسيم واللَّه منزه عن ذلك، والصفات أعراض ومعان تقوم بغيرها، والعرض لا يقوم إلا بجسم، واللَّه تعالى ليس بجسم؛ لأن الأجسام لا تخلو من الأعراض الحادثة وما لا يخلو من الحوادث فهو محدث (٢).

٢ - أن ذلك يستلزم أن يكون اللَّه في جهة متحيزة، وهو تعالى منزه عن الجهة والتحيز (٣).

٣ - أن في إثبات العلو والفوقية ونحوها من الصفات يستلزم تعدد القدماء مع اللَّه تعالى وهو كفر، واللَّه منزه عن ذلك (٤)؛ لأن أخص وصف الرب هو القِدَم، وإن الاشتراك فيه يوجب التماثل فلو شاركت الصفة الموصوف في القدم لكانت مثله (٥).

٤ - أن إثبات ذلك يستلزم التركيب؛ لأن المركب مفتقر إلى جزئه وجزء غيره، وواجب الوجود لا


(١) انظر: النجاة لابن سينا (٢/ ٨١).
(٢) انظر: الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار المعتزلي (ص ٧٢) ومجموع الفتاوي لابن تيمية (٦/ ٣٤) والصواعق المرسلة في الرد على الجهمية والمعطلة لابن القيم (١/ ٢٢٢).
(٣) انظر: المختصر في أصول الدين للقاضي عبد الجبار المعتزلي (ص ٣٣٦ - ٣٣٨) ويحيى بن حمزة وآراؤه الكلامية لأحمد صبحي (ص ٨٤).
(٤) انظر: المغني في أبواب التوحيد والعدل للقاضي عبد الجبار المعتزلي (٧/ ١١٦) والمنية والأمل له أيضًا جمع أحمد المرتضى (ص ١٠٩ - ١١٠) والملل والنحل للشهرستاني (١/ ٤٦) وبيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية لابن تيمية (٣/ ٩٤).
(٥) انظر: درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية (٥/ ٤٦).