للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الفصل الرابع: شبه الأشاعرة في باب القدر، والرد عليها.]

[الشبهة الأولى]

أنه لا خالق إلا اللَّه، وأن أعمال العباد مخلوقة للَّه مقدرة، كما قال سبحانه: ﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (٩٦)[الصافات]، وأن العباد لا يقدرون أن يخلقوا شيئًا، وهم يخلقون (١).

[الرد عليهم]

١ - أن الآية الكريمة معناها أن اللَّه خلق الإنسان وخلق الأصنام التي صنعوها ونحوتدها بدليل أن "ما" في قوله تعالى: ﴿وَمَا تَعْمَلُون﴾ ليست مصدرية، وإنما موصولة بمعنى "الذي" أي والذي تنحتونه، ومن جعلها مصدرية فقد غلط (٢).

٢ - أنه لو كانت الآية كما زعمتم لم يكن فيها دليل على ما يوجب ذمهم على ذلك ونهيهم عنه، فلو أريد واللَّه خلقكم وعملكم الذي هو الكفر وغيره، لم يكن في ذلك ما يناسب ذمهم، ولم يكن في بيان خلق اللَّه تعالى لأفعال عباده ما يوجب ذمهم على الشرك (٣).

٣ - أن ذلك كان من إبراهيم توبيخًا لهم على عبادة الأوثان والأصنام التي نحتوها، كما قال تعالى عنه في آية أخرى: ﴿إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا﴾ [العنكبوت: ١٧] ولهذا استفهم استفهام منكر فقال: ﴿. . . قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ (٩٥) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (٩٦)[الصافات] أي: وخلق ما تنحتون، فكيف يجوز أن تعبدوا ما تصنعونه بأيديكم وتدعون رب العالمين؟! (٤).

[الشبهة الثانية]

أن إثبات تأثير قدرة العبد الحادثة في الفعل يستلزم إثبات خالق مع اللَّه، وذلك لأمرين:

الأول: لو كان العبد مُحدِثًا الأفعال نفسه للزم وجود خالق غير اللَّه، ووجود خالق غير اللَّه محال، ويلزم من انتفاء اللازم انتفاء الملزوم.

الثاني: لو كان العبد موجد لفعل نفسه ومحدثًا له لكان عالمًا به، واللازم ممتنع فالملزوم ممتنع (٥).


(١) انظر: الإبانة عن أصول الديانة لأبي الحسن الأشعري (ص ٢٣).
(٢) انظر: المسائل والأجوبة لابن تيمية (ص ١١٤) والفوائد لابن القيم (١/ ١٤٣) الناشر: دار الكتاب العربي بيروت.
(٣) انظر: منهاج السنة لابن تيمية (٣/ ٣٣٧).
(٤) انظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية (١١/ ٦٨١).
(٥) انظر: أبكار الأفكار للآمدي (٢/ ٤٠٠) باختصار.