الهادي هداية التوفيق والإلهام، فالرسل هم الأدلة حقًا، والله سبحانه هو الموفق الملهم، الخالق للهدى في القلوب. وهذه المرتبة أخص من المرتبة الأولى وأعم من الثالثة.
المرتبة الثالثة: الهداية المستلزمة للاهتداء وهي هداية التوفيق ومضيئة الله لعبده الهداية وخلقه دواعي الهدى وإرادته والقدرة عليه للعبد وهذه الهداية التي لا يقدر عليها إلا الله ﷿، وهذه المرتبة تستلزم أمرين:
أحدهما: فعل الرب تعالى وهو الهدى.
والثاني: فعل العبد وهو الاهتداء؛ وهو أثر فعله سبحانه فهو الهادي والعبد المهتدي قال تعالى: ﴿مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي﴾ [الأعراف: ١٧٨] ولا سبيل إلى وجود الأثر إلا بمؤثره التام فإن لم يحصل فعله لم يحصل فعل العبد ولهذا قال تعالى: ﴿إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ﴾ [النحل: ٣٧] وهذا صريح في أن هذا الهدى ليس له ﷺ ولو حرص عليه ولا إلى أحد غير الله وأن الله سبحانه إذا أضل عبدًا لم يكن لأحد سبيل إلى هدايته كما قال تعالى: ﴿مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ﴾ [الأعراف: ١٨٦] وأمر سبحانه عباده كلهم أن يسألوه هدايتهم الصراط المستقيم كل يوم وليلة في الصلوات الخمس وذلك يتضمن الهداية إلى الصراط والهداية فيه. ومن هنا يتضح ضلال المعتزلة في قولهم بوجوب فعل الأصلح للعبد على الله، حيث زعموا أن الهدى من الله: بيان طريق الصواب، والإضلال: تسمية العبد ضالًا، أو حكمه تعالى على العبد بالضلال عند خلق العبد الضلال في نفسه. وهذا مبني على أصلهم الفاسد: أن أفعال العباد مخلوقة لهم. وهذه المرتبة أخص من التي قبلها وهي التي ضل جهال القدرية بإنكارها.
المرتبة الرابعة: الهداية يوم المعاد إلى طريق الجنة والنار. (١)
المسألة الخامسة: تغيير المقدور الذي قدُر على العبد:
أورد المصنف ﵀ جملةً من الآيات والأحاديث والأثار في المقدور الذي قُدر على العبد، وهل يمكن أن يحدث فيه تغيير. وبيان ذلك يتضح بالتفريق بين القدر المثبت والقدر المعلق. فالقدر المثبت أو المبرم وهو ما في أم الكتاب فهذا لا يتغير ولا يتبدَل، قال