للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تعالى: ﴿لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ (٣٨) يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾ [الرعد: ٣٨، ٣٩].

والقدر المعلَق أو المقيَد وهو ما في كتب الملائكة فهذا الذي يقع فيه المحو والإثبات، قال عمر بن الخطاب : "اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ كَتَبْتَ عَلَيَّ الشِّقَاءِ أَوْ ذَنْبًا فَاجْعَلْهَا سَعَادَةً وَمَغْفِرَةً؛ فَإِنَّكَ تَمْحُو مَا تَشَاءُ وَتُثْبِتُ، وَعِنْدَكَ أُمُّ الْكِتَابِ" (١). وقد بين العلماء هذه المسألة، وأزالوا الإشكال فيها فمن ذلك:

ما ذكره ابن تيمية في مجموع الفتاوى فقال: "أن الله يكتب للعبد أجلا في صحف الملائكة فإذا وصل رحمه زاد في ذلك المكتوب. وإن عمل ما يوجب النقص نقص من ذلك المكتوب … " وهذا معنى ما روي عن عمر أنه قال: "اللهم إن كنت كتبتني شقيًا فامحني واكتبني سعيدًا فإنك تمحو ما تشاء وتثبت". والله سبحانه عالم بما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف كان يكون، فهو يعلم ما كتبه له وما يزيده إياه بعد ذلك، والملائكة لا علم لهم إلا ما علمهم الله، والله يعلم الأشياء قبل كونها وبعد كونها، فلهذا قال العلماء: "إن المحو والإثبات في صحف الملائكة وأما علم الله سبحانه فلا يختلف ولا يبدو له ما لم يكن عالما به فلا محو فيه ولا إثبات. وأما اللوح المحفوظ فهل فيه محو وإثبات على قولين. والله أعلم؟ " (٢).

وقال ابن حجر : "الذي في علم الله لا يتقدم ولا يتأخر، والذي في علم الملك هو الذي يمكن فيه الزيادة والنقص وإليه الإشارة بقوله تعالى: ﴿يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾ [الرعد: ٣٩] فالمحو والإثبات بالنسبة لما في علم الملك وما في أم الكتاب هو الذي في علم الله تعالى فلا محو فيه البتة، ويقال له القضاء المبرم ويقال للأول القضاء المعلق" (٣).

وقال السعدي في تفسيره: " ﴿يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ﴾ من الأقدار ﴿وَيُثْبِتُ﴾ ما يشاء منها، وهذا المحو والتغيير في غير ما سبق به علمه كتبه قلمه فإن هذا لا


(١) يأتي تخريجه في الحديث رقم (١٨١).
(٢) مجموع الفتاوى (١٤/ ٤٩٠ - ٤٩١).
(٣) فتح الباري لابن حجر (١٠/ ٤١٦).