للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

باب الدليل على أنَّ الله على العرش

[٨٨٩] وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الأَثْرَمُ فِي السُّنَّةِ (١)، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْقَيْسِيُّ (٢) قَالَ: قُلْتُ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: يُحْكَى عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: كَيْفَ نَعْرِفُ رَبَّنَا؟ قَالَ: فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ عَلَى عَرْشِهِ يُحَدُّ (٣)، (٤): هَكَذَا هُوَ عِنْدَنَا (٥).


(١) لم يصل إلينا، وصاحبه: هو الإِمَامُ، الحَافِظُ، العَلاَّمَةُ، أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ هَانِئ الإِسْكَافيُّ الأَثْرَم الطَّائِيُّ - وَقِيْلَ: الكَلْبِيّ - أَحَد الأَعْلَامِ، وَتلمِيذُ الإِمَام أَحْمَد، صَنَّفَ "السُّنَن" وَكِتَابًا فِي "عِلل الحَدِيث". قال ابن حجر: ثقة حافظ له تصانيف، س. توفي سنة (٢٧٣ هـ). سير أعلام النبلاء (١٢/ ٦٢٣) التقريب (١٠٣).
(٢) ذكره ابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة (١/ ٢٦٧) وقال: نقل عن إمامنا أشياء. وانظر: المقصد الأرشد (٢/ ٣٣٢).
(٣) "يُحَدُّ" بالياء، كذا في الأصل، وفي طبقات الحنابلة مثلها، أما في الرد على المريسي والرد على الجهمية للدارمي والسنة لعبد الله والإبانة لابن بطة والأسماء والصفات للبيهقي ودرء التعارض: (بِحَدٍّ) بالباء.
ولفظ "الحَدّ" من الألفاظ المجملة التي لم ترد في الكتاب والسنة، فيستفصل في مراد المتكلِّم بها، فإن أراد أنه بائن عن خلقه: فهذا المعنى صحيح، وإن أراد أن يكون محصورا يُحاط به، أو أراد بنفيه نَفْيَ العلو: فهذا باطل.
والجهمية تدعي نفي "الحَدَّ"، وتعني بالحد: "صِفَةَ العُلُوِّ" لله ﷿، فالنتيجة: أنهم ينفون العلو، فَرَدَّ عليهم ابن المبارك.

وقد بين شيخ الإسلام ابن تيمية مُرَادَ ابن المبارك فقال: (ولما كان الجهمية يقولون ما مضمونه: "إن الخالق لا يتميز عن الخلق"، فيجحدون صفاته التي تميز بها ويجحدون قدره: فَبَيَّنَ ابن المبارك أن الرب على عرشه مباين لخلقه منفصل عنه، وَذَكَرَ الحَدَّ؛ لأن الجهمية كانوا يقولون: "ليس له حد، وما لا حد له لا يباين المخلوقات، ولا يكون فوق العالم؛ لأن ذلك مستلزم للحد"، فلما سألوا عبد الله بن المبارك: بماذا نعرفه؟ قال: بأنه فوق سمواته على عرشه بائن من خلقه. فذكروا له لازم ذلك الذي تنفيه الجهمية، وبنفيهم له ينفون ملزومه الذي هو موجود فوق العرش ومباينته للمخلوقات فقالوا له: بحد؟ قال: بحد). بيان تلبيس الجهمية (٣/ ٤٢ - ٤٤) باختصار يسير.
(٤) ورد في مصادر التخريج: (قَالَ أَحْمَدُ: هَكَذَا هُوَ عِنْدَنَا).
(٥) خبر صحيح. ابن المبارك: هو عبد الله.
أورده ابن قدامة في "إثبات صفة العلو" (٨٤) وأخرجه الخلال في السُّنة - فيما عزاه إليه ابن تيمية في درء التعارض (٢/ ٣٤) - وابن بطة في الإبانة (٧/ ١٥٦ - ١٥٧) من طريق الأثرم، بهذا الإسناد. وهو في طبقات الحنابلة (١/ ٢٦٧) وتاريخ الإسلام (٥/ ١٠٢٤) وتصحف فيه (الأثرم) إلى (الْمَرُّوذِيّ). وتهذيب سنن أبي داود وإيضاح مشكلاته (٥/ ٢٢٢٨).
وأخرجه الدارمي في الرد على المريسي (١١٨) والرد على الجهمية (٦٧) (١٦٢) له، وعبد الله في السنة (٢٢) (٥٩٨) (٢١٦) واللفظ منه، وابن المقرئ في معجمه (٣٠٩) وابن بطة في الإبانة (٧/ ١٥٥ - ١٥٦) وابن مندة في التوحيد (٨٩٩) والصابوني في عقيدة السلف (ح ١٦ ص ٢٦) والبيهقي في الأسماء والصفات (٩٠٢) (٩٠٣)، وابن قدامة في "إثبات صفة العلو" (٨٣) والذهبي في العلو (٣٩٩) والسير (٨/ ٤٠١، ٤٠٢ - ٤٠٣) من تسعة طرق: عن عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ، يَقُولُ: «نَعْرِفُ رَبَّنَا ﷿ فَوْقَ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ عَلَى الْعَرْشِ بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ بِحَدٍّ، وَلَا نَقُولُ كَمَا قَالَتِ الْجَهْمِيَّةُ: "هَاهُنَا"»، وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الْأَرْضِ. إسناده صحيح. عبد الله: هو ابن المبارك.
وصححه ابن تيمية والذهبي وابن القيم والألباني انظر: الفتوى الحموية الكبرى (ص ٣٣٣)، بيان تلبيس الجهمية (٣/ ٤١٥ - ٤١٦) اجتماع الجيوش الإسلامية (٢/ ١٣٤، ١٣٥، ٢١٣، ٢١٤)، الصواعق المرسلة (٤/ ١٢٩٨) مختصر العلو (ص ١٥٢).
والخبر في خلق أفعال العباد للبخاري (١٣) (١٤) عن ابن المبارك.

وأخرجه الخلال في السُّنة - فيما عزاه إليه ابن تيمية في درء التعارض (٢/ ٣٤) - وابن بطة في الإبانة (٧/ ١٥٨ - ١٥٩) من طريق أَبِي بَكْرٍ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بنِ الحَجَّاجِ الْمَرُّوْذِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ - وَقِيلَ، لَهُ رَوَى عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: كَيْفَ نَعْرِفُ اللَّهَ؟ قَالَ: عَلَى الْعَرْشِ بِحَدٍّ. - فَقَالَ: «بَلَغَنِي ذَلِكَ عَنْهُ»، وَأَعْجَبَهُ، ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ﴾ [البقرة: ٢١٠]، ثم قال: ﴿وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا﴾ [الفجر: ٢٢]. إسناده صحيح. أبو عبد الله: هو أحمد بن حنبل.
وأخرج الخلال في السُّنة - فيما عزاه إليه ابن تيمية والذهبي- والهروي في ذم الكلام (١٢٠٨) (١٢٠٩) من طريق أبي مُحَمَّدٍ حَرْبِ بنِ إِسْمَاعِيْلَ الكِرْمَانِيِّ قال: قلت لإسحاق - يعني ابن رَاهَوَيْهِ -: هو على العرش بِحَدٍّ؟ قال: «نَعَمْ بِحَدٍّ». وذكر عن ابن المبارك قال: هُوَ عَلَى عَرْشِهِ بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ بِحَدٍّ. إسناده صحيح. انظر: درء التعارض (٢/ ٣٤) واللفظ منه، والذهبي في العلو (٤٨٢). والخبر في الإبانة لابن بطة (٧/ ١٥٨ - ١٥٩) عن حرب. وانظر ترجمة "حرب" في سير أعلام النبلاء (١٣/ ٢٤٤).