في هذه الصفحات القلائل نضع صورة حية للحياة السياسية في العصر الذي عاش فيه الإمام ابن المحب الصامت، فقد عاش ابن المحب في الفترة من سنة (٧١٢ هـ- ٧٨٩ هـ) وكانت بلاد الشام في هذه الفترة تحت الحكم المملوكي، وكان الحاكم الأعلى لبلاد الشام ومصر واحد، ومقر قيادته في مصر، وهو الذي يقوم بتولية نائبه بدمشق، والدولة المملوكية قامت على انقاض الدولة الأيوبية، حيث إن الملوك والأمراء كانوا يعززون ملكهم بالمماليك، وممن عزز ملكه بذلك الصالح نجم الدين أيوب حيث دبر المماليك مؤامرة استطاعوا من خلالها خلع الملك العادل سيف الدين وتنصيب أخيه نجم الدين مكانه، فأراد نجم الدين رد الجميل لهم، فأكرمهم، وأغدق عليهم العطايا، واستطاعوا بفضل الله تعالى، ثم بفضل بسالتهم وشجاعتهم أن يحرزوا انتصارات فائقة على الحملات الصليبية، وبعد هزيمة لويس التاسع سنة (٦٤٨ هـ) انتهت بذلك دولة الأيوبيين، وبدأت دولة المماليك، فتزوج أيبك من شجرة الدر، وتولى سلطان البلاد، وكان السلطان إما يقتل، أو يعزل، ويتولى القاتل الحكم مكانه، ولقد كان قلق داخل السياسة الداخلية، ناجم عن الخيانات والقتل والانقلابات العسكرية التي تتم بين الحين والآخر حتى أنه قد لا يمر على تولي السلطان عام، ويكون إما مقتولاً أو معزولاً، وعلى الرغم من ذلك إلا أنه كان هناك تلاحم وتكاتف في وجه أعداء الإسلام.
وهناك بعض الخطوب حدثت في زمن ابن المحب،،،
ففي العام الذي ولد فيها ابن المحب الصامت حصل للناس خوف بدمشق بسبب أن التتار قد تحركوا للمجيء إلى الشام، فانزعج الناس من ذلك وخافوا، وتحول كثير منهم إلى البلد، وازدحموا في الأبواب، واتضح أن هذا إشاعة من بعض المسئولين.
وفي عام سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة بويع الخليفة الحاكم بأمر الله أبي العباس أحمد بن المستكفي بالله سليمان ابن الحاكم العباسي وكان ولي عهد أبيه.
وفي سنة سبع وخمسين وسبعمائة - وكان عمر ابن المحب الصامت إذ ذاك خمس وأربعون سنة - غارت الفرنج ومن تبعهم من المسلمين العجز المتحربين في السواحل، واستباحوا بلد صيدا، وآياس، وغير ذلك من البلاد الساحلية، ولما بلغ ابن المحب سبعاً وأربعين سنة، وكان ذلك سنة تسع وخمسين