للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الفصل الخامس: شبه الماتريدية في باب القدر، والرد عليها.]

الشبهة الأولى: أنا نجد أفعال العباد تخرج على حسن وقبح لا يعلم أهلها أنها تبلغ في الحسن ذلك ولا في القبح، بل هم عندهم نفسهم في تحسينها وتزيينها، وهي تخرج على غير ذلك بأن جعل أفعالهم على ما هي عليه ليست لهم، ولو جاز كونها على ذلك لهم وهم لا يعرفون مبلغ الحسن والقبح فإذًا لا جهل يقبح الفعل ولا علم يحسنه، فثبت أن فعلهم من هذا الوجه ليس لهم (١).

الرد عليهم:

١ - أن الزعم بأن ما تدركه عقول الناس وأفهامهم من أفعالهم يثبت أنها لهم، وأن ما لم تدركه يثبت أنها للَّه، غير صحيح فلا دليل في ذلك على ما ذهبتم إليه، لا سيما وأن عقول الناس وأفهامهم تتفاوت في إدراك أفعالهم وأحوالهم، فليس كل ما يدركه أحدهم ويفهمه من الأحوال يدركه ويفهمه الآخر، وهذا يؤدي إلى عدم تمييز ما هو من أفعال اللَّه من أفعال العباد.

٢ - أن اللَّه تعالى هو خالق العباد وأفعالهم، والعباد هم الفاعلون حقيقة لأفعالهم، وقد مر بيان ذلك سابقًا.

٣ - أنكم لا تفرقون بين الخلق والمخلوق والفعل والمفعول، فزعمتم أن أفعال العباد هي أفعال للَّه تعالى، والحق أن أفعال العباد هي أفعالهم حقيقة ومفعولة للرب تعالى؛ إذ إن الفعل غير المفعول، فللعبد فعلُهُ حقيقة، واللَّه خالقه وخالق ما فعل به من القدرة والإرادة وخالق فاعليته، وسر المسألة أن العبد فاعل منفعل، فربه تعالى هو الذي جعله فاعلًا بقدرته ومشيئته، وأقدره على الفعل وأحدث له المشيئة التي يفعل بها (٢).

الشبهة الثانية: أنا نجد الأفعال مؤذية لأهلها ومتعبة ومؤلمة، ومُحالٌ تأذِّي الطبع بلا مؤذٍ، وتعَبِه بلا مُتعبٍ، وتألمه بلا مؤلم، فثبت أنها مؤلمة متعبة مؤذية إن قَصد أربابُها إلى أن يتلذذوا بها ويتمتعوا، فثبت أنها كذلك لا بهم (٣).

الرد عليهم:

١ - أن الأعمال التي يفعلها العبد نوعان إضطراري واختياري، وما يفعله مختارًا هو فعله حقيقة وليس فعل غيره من البشر، وكل أفعال العبد هي خلق له حقيقة، وهي فعل للعبد حقيقة، وقد سبق بيان هذا وإيضاحه.


(١) انظر: كتاب التوحيد لأبي منصور الماتريدي (ص ٢٣٠).
(٢) انظر: شفاء العليل لابن القيم (ص ١٣١).
(٣) انظر: كتاب التوحيد لأبي منصور الماتريدي (ص ٢٣٠).