للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

١ - أن اللذة والألم والتعب لا يوصف بها الفعل أبدًا، فسبب اللذة إحساس الملائم، وسبب الألم إحساس المنافي، ليس اللذة والألم نفس الإحساس والإدراك؛ وإنما هو نتيجته وثمرته ومقصوده، وقد سبق بيان هذا.

الشبهة الثالثة: القول بالمتعارف في الخلق: أن لا خالق غير اللَّه، ولا رب سواه، ولو جعلنا حدث الأفعال وخروجها من العدم إلى الوجود ثم فناءها بعد الوجود ثم خروجها على تقدير من أربابها لجعلنا لها وصف الخلق الذي به صار الخلق خلقًا، وفي ذلك لزوم القول بخالق سواه، وفي جوازه مناقضة قول من ذكرت مع ما لو جاز ذلك لجاز القول برب فعله، وذلك مدفوع (١).

الرد عليهم:

١ - أن الفعل الذي يفعله العبد هو فعله حقيقة، وليس معنى هذا أنه خالق مع اللَّه، وقد زعم من نفي تأثير قدرة العبد في الفعل أن إثبات ذلك يقتضي أن يكون مشاركًا في الخلق، وقد بينا بطلان ذلك فيما سبق.

٢ - أنكم تثبتون تأثيرًا لقدرة العبد في صفة الفعل، فيلزمكم ما نفيتموه هنا، فإما أن تثبتوا قدرة للعبد على الفعل وأن فعله حقيقة ثابتة له، وهو لا يخرج عن قدرة اللَّه ومشيئته، وإما أن تنفوا عنه التأثير بتاتًا فتكونون جبرية خالصة.

الشبهة الرابعة: أن العباد إذ أفعالهم في الحقيقة حركات وسكون في الظاهر، واللَّه قادر عليها، لولا ذلك ما أقدرهم عليها، فصارت هي لأنفسها تحت قدرته عليها، فإذا أقدر العبد على ذلك ذهبت عنه القدرة، فإذا قدرته زالت عنه وصار قادرة بقدرة تزول، ومن ذلك وصْفُهُ فهو عبدٌ لا رب (٢).

الرد عليهم:

١ - أن قدرة اللَّه على العبد وخلقه له ولفعلِه، لا يعني ذلك أنه ليس للعبد قدرة واختيار، فاللَّه تعالى خلق للعبد قدرة ومشيئة واختيارًا، بها يقدر العبد على فعله ويختاره ويشاؤه، ويستحق عليها المدح أو الذم والثواب أو العقاب.

٢ - أن إثبات قدرة مؤثرة للعبد لا يعني أنه رب خالق، فقد أثبت اللَّه تعالى للعبد قدرة على الفعل وتأثيرًا فيه في كثير من الآيات، وهو مع ذلك تحت قدرة اللَّه تعالى ومشيئته، وسبق بيان هذا فيما مضى.


(١) انظر: كتاب التوحيد لأبي منصور الماتريدي (ص ٢٣٠).
(٢) انظر: كتاب التوحيد لأبي منصور الماتريدي (ص ٢٣١).