للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المطلب الأول: شبهات المعطلة من الجهمية ومن اتبعهم من المعتزلة النافين لصفة المحبة للَّه تعالى.

إن المعطلة الذين نفوا صفة المحبة عن اللَّه تعالى أو حرفوا معناها كلهم يستدلون بدليل الأعراض وحلول الحوادث على شبهتهم تلك، فهم ينفون الأعراض وحلول الحوادث عن اللَّه تعالى، فالمعطلة من الجهمية والمعتزلة ومن تبعهم من الأشاعرة نفوا صفة المحبة زعما منهم أنها تستلزم حلول الحوادث بذات اللَّه تعالى؛ لأن الصفات عندهم أعراض حادثة فلا يصح أن تقوم بذات اللَّه تعالى، ولو قامت به لاتصف بها بعد أن لم يكن، وهذا تغيُّر، والتغيُر دليل الحدوث، والباري منزه عن التغير والحدوث.

وزعموا أيضًا أن إثبات ذلك يستلزم التشبيه والجسمية وقد مر سابقًا الرد عليهم وإبطال شبهتهم هذه.

[أدلة المعطلة]

استدل المعطلة على مذهبهم بعدة أدلة، وهي باختصار كما يلي:

١ - استدلوا بدليل الأعراض وحدوث الأجسام، وأن كل ما كان محلًا للحوادث لم يخل منها، وإذا لم يخل منها كان مُحدثا مثلها، واللَّه تعالى منزه عن حلول الحوادث (١).

٢ - أن كل ما كان من صفات اللَّه تعالى فلا بد وأن يكون من صفات الكمال ونعوت الجلال، فلو كانت صفة من صفاته محدثة لكان ذاته قبل حدوث تلك الصفة خالية من صفة الكمال، والخالي عن صفة الكمال ناقص، فيلزم أن ذاته كانت ناقصة قبل حدوث تلك الصفة فيها وذلك محال، فثبت: أن حدوث صفة في ذات اللَّه تعالى محال (٢).

٣ - لو كانت ذاته قابلة للصفة المحدثة لكانت تلك القابلية من لوازم ذاته، وكانت تلك القابلية أزلية، وثبوت القابلية يستلزم صحة وجود المقبول، فلو كانت قابلية الحوادث أزلية لكان وجود الحوادث في الأزل ممكنًا، إلا أن هذا محال؛ لأن الحوادث لها أول، والأزل لا أول له والجمع بينهما محال (٣).

٤ - أن إبراهيم استدل بالتغير على حدوث الكوكب والشمس والقمر، ومن ثم استدل على أنها ليست


(١) انظر: نهاية الإقدام للشهرستاني (ص ١١٤ - ١١٥) و رسالة إلى أهل الثغر للأشعري (ص ١٨٥) ومجموع الفتاوى لابن تيمية (١/ ١٣٤ - ١٣٤) ودرء تعارض العقل والنقل له (١/ ٣٨ - ٣٩).
(٢) انظر: الأربعين في أصول الدين للرازي (١/ ١٧١) تحقيق: أحمد السقا. مطبعة الكليات الأزهرية ١٤٠٦ هـ.
(٣) نفس المصدر.