للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلا يصلح هذا دليلا لهم.

[القول الثاني: ينزل ولا يخلو منه العرش]

وهو قول جمهور أهل الحديث، منهم: الإمام أحمد، وإسحاق بن راهويه، وحمَّاد بن زيد، وعثمان ابن سعيد الدَّارميِّ، وغيرهم، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: هو الصواب (١).

سأل بِشْرُ بْنُ السَّرِيِّ (٢) حمَّادَ بن زيد فقال: يا أبا إسماعيل، الحديث الذي جاء: «ينزل ربُّنا إلى سماء الدُّنيا» يتحوَّل من مكان إلى مكان؟ فسكت حمَّاد بن زيد، ثمَّ قال: هو في مكانه يَقْرُبُ مِنْ خَلْقِهِ كَيْفَ شاء (٣).

قال إسحاق بن راهويه: «دخلتُ على عبد الله بن طاهر (٤)، فقال: ما هذه الأحاديث الَّتي تَرْوُونَهَا؟ قلت: أي شيء أَصْلَحَ الله الأمير؟ قال: تروون أنَّ الله ينزل إلى السَّماء الدُّنيا.

قلت: نعم، رواه الثِّقات الَّذين يروون الأحكام. قال: أَيَنْزِلُ وَيَدَعُ عَرْشَهُ؟ قال: فقلت: يقدر أن ينزل من غير أن يخلو العرش منه؟ قال: نعم (٥).

فَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ يَقُوْلُ: هو في مكانه يَقْرُبُ مِنْ خَلْقِهِ كيف شاء، فأثبت قُرْبَهُ إلى خَلْقِهِ مع كونه فوق عرشه، وعبد الله بن طاهر وهو من خيار مَنْ وَلِيَ الأمر بخراسان كان يعرف أنَّ الله فوق العرش، وأشكل عليه أنَّه ينزل؛ لِتَوَهُّمِهِ أنَّ ذلك يقتضي أن يخلو منه العرش، فأقرَّه الإمام إسحاق على أنَّه فوق العرش، وقال له: يَقْدِرُ أن ينزل مِنْ غير أن يخلو منه العرش؟ فقال له الأمير: نعم، فقال له إسحاق: لم تتكلَّم في هذا؟ يقول: فإذا كان قادرًا على ذلك لم يلزم من


(١) العرش، تأليف الذهبي (١/ ٢٢٤)، شرح حديث النزول، لابن تيمية (ص ٦٦). وانظر: مجموع الفتاوى، لابن تيمية (٥/ ٤١٤)، مختصر الصواعق المرسلة (ص ٤٦٩).
(٢) بشر بن السري، أبو عمرو الأفوه، بصري، تحول إلى مكة، كان واعظاً ثقة متقنا طعن فيه برأي جهم ثم اعتذر، توفي سنة (١٩٦ هـ). الجرح والتعديل (٢/ ٣٥٨) التقريب (٦٨٧).
(٣) شرح حديث النزول، لابن تيمية (ص ٤٠)، العرش، الذهبي (١/ ٢٢٩).
(٤) عَبْدُ اللهِ بنُ طَاهِر بنِ الحُسَيْنِ بنِ مُصْعَبٍ، الأَمِيْرُ العَادِلُ، حَاكِمُ خُرَاسَانَ، سيأتي [١٠٦٨].
(٥) العرش، الذهبي (١/ ٢٣٠).