قال ابن تيمية:"إثبات القدر لا ينافي إسناد أفعال العباد إليهم حقيقة وأنهم يفعلونها باختيارهم: والعباد فاعلون حقيقة، والله خالق أفعالهم. والعبد هو: المؤمن والكافر، والبر والفاجر، والمصلي والصائم. وللعباد قدرة على أعمالهم، وإرادة، والله خالقهم وخالق قدرتهم وإرادتهم"(١).
[المسألة الرابعة: الهدى والضلال]
إن أفضل ما يقدر الله لعبده وأجل ما يقسمه له الهدى، وأعظم ما يبتليه به ويقدره عليه الضلال، كل نعمة دون نعمة الهدى كل مصيبة دون مصيبة الضلال، وقد اتفقت رسل الله من أولهم إلى آخرهم وكتبه المنزلة عليهم على أنه سبحانه يضل من يشاء ويهدي من يشاء، وأنه من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأن الهدى والإضلال بيده لا بيد العبد، وأن العبد هو الضال أو المهتدي، فالهداية والإضلال فعله سبحانه وقدره، والاهتداء والضلال فعل العبد كسبه.
وقد ذكر المصنف ﵀ في ذلك جملة من الآيات والأحاديث الدالة على ذلك، كما نقل قول الطلمنكي في بيان المسألة.
[ومراتب الهدى والضلال في القرآن أربعة]
المرتبة الأولى: الهدى العام وهو هداية كل نفس إلى مصالح معاشها وما يقيمها وهذا أعم مراتبه.
المرتبة الثانية: الهدى بمعنى البيان والدلالة والتعليم والدعوة إلى مصالح العبد في معاده وهذه خاص بالمكلفين، وهي حجة الله على خلقه التي لا يعذب أحدًا إلا بعد إقامتها عليه، وهذه الهداية هي التي أثبتها الله سبحانه لرسوله ﷺ حيث قال ﷾: ﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [الشورى: ٥٢]، وقوله تعالى: ﴿وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ﴾ [الرعد: ٧] والهادي: هو الدليل الذي يدل بهم في الطريق إلى الله، والدار الآخرة، ولا يناقض هذا قوله تعالى: ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ﴾ [القصص: ٥٦]، وقوله: ﴿فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ [فاطر: ٨] فإن الله سبحانه تكلم بهذا وهذا، فرسله الهداة هداية الدلالة والبيان، وهو