للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[القول الثاني: الإمساك عن القول في المسألة.]

وهو اختيار كثير من أهل الحديث والفقهاء والصوفية، كابن بطة وَغَيْرِهِ (١).

وهؤلاء فيهم من يَقِفُ عن إثبات اللَّفظ مع الموافقة على المعنى، وهو قول كثير منهم، ومنهم من يمسك عن إثبات المعنى، وعن اللَّفظ (٢).

أدلة هذا القول:

- الدليل الأول: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: يَنْزِلُ رَبُّنَا كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ يَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟ مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ؟ مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ؟ (٣).

- الدليل الثاني: عن أبي هُرَيْرَةَ قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ : يَنْزِلُ اللهُ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا لِشَطْرِ اللَّيْلِ، أَوْ لِثُلُثِ اللَّيْلِ الْآخِرِ، فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟ أَوْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ؟ ثُمَّ يَقُولُ: مَنْ يُقْرِضُ غَيْرَ عَدِيمٍ وَلَا ظَلُومٍ؟

وفي رواية: ثُمَّ يَبْسُطُ يَدَيْهِ يَقُولُ: «مَنْ يُقْرِضُ غَيْرَ عَدُومٍ وَلَا ظَلُومٍ؟» (٤).

وجه الدلالة من الحديثين:

لفظ النُّزول في الحديثين لَفْظٌ مُجْمَلٌ، ليس فيه إثبات للحركة، ولا نَفْيُهُ عنها، وما كان كذلك فالقاعدة تقول: الألفاظ التي سكت النَّصُّ من الكتاب والسُّنَّة عنها مجملة محتملة لمعنيين: صحيح، وفاسد؛ كلفظ الحركة، والانتقال، ونحو ذلك من الألفاظ الَّتي تحتها حقٌّ وَبَاطِلٌ، فهذه لا تُقْبَلُ مُطْلَقًا، ولا تُرَدُّ مُطْلَقًا؛ فإنَّ الله -سبحانه- لم يُثْبِتْ لنفسه هذه المسمَّيات، ولم يَنْفِهَا عنه (٥).


(١) شرح حديث النزول لابن تيمية (ص ١٨٨).
(٢) العرش، الذهبي (١/ ٢٢٧).
(٣) تقدم تخريجه في صفحة (٤٢).
(٤) تقدم تخريجه في صفحة (٤٨).
(٥) مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة، لابن القيم (ص ٤٧٤).