للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال ابن مفلح: "عُني بالحديث وكتب بخطه الأجزاء والطباق وتفقه على عمه، فقَرأ عليه المقنع وأذن له في إقرائه وإصلاح ما يراه فيه، وشرحه في عشر مجلدات مستمدًا من المغني، وأخذ الأصول عن السيف الآمدي، درس وأفتى وأقرأ العلم زمانًا طويلًا، وانتفع به الناس، وانتهت إليه رئاسة المذهب في عصره بل رئاسة العلم في زمانه، وكان معظمًا عند الخاص والعام، ولقد أثنى عليه الأئمة. . .وكان الشيخ محيى الدين النووي يقول: هو أجل شيوخي، وهو أول من ولى قضاء الحنابلة بالشام، فوليه مدة تزيد على اثنتي عشرة سنة على كره منه، ولم يتناول عليه معلومًا، ثم عزل نفسه في آخر عمره، وبقي قضاء الحنابلة شاغرًا مدة حتى وليه ولده نجم الدين، وكان رحمة للمسلمين، ولولاه لراحت أملاك الناس لمَّا تعرض إليها السلطان، فقام فيها قيام المؤمنين وأثبتها لهم، وعاداه جماعة الحكام، وعملوا في حقه المجهود، وتحدثوا فيه بما لا يليق، ونصره اللَّه عليهم بحسن نيته، ويكفيه هذا عند اللَّه تعالى" (١). وتولى مشيختها بعده عدد من العلماء منهم على سبيل المثال:

[٢ - ابنه قاضي القضاة نجم الدين أبو العباس بن شمس الدين بن أبي عمر المتوفى سنة ٦٨٩ هـ.]

قال ابن رجب: "أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن قدامة الشيخ الإمام قاضي القضاة نجم الدين أبو العباس بن شيخ الإسلام شمس الدين ابن أبي عمر، كان شابًا سليمًا مهيبًا تام الشكل، ليس له من اللحية إلا شعيرات يسيرة، وكان له مع القضاء خطابة الجامع بالجبل والإمامة بحلقة الحنابلة، وكان حسن السيرة في أحكامه مليح الدرس، له قدرة على الحفظ، وله مشاركة جيدة في العلوم، تولى القضاء في أيام والده لما عزل نفسه، توفى ثالث عشر جمادى الأولى سنة تسع وثمانين وستمائة، ودفن بمقبرة جده من الغد وشيعه خلق وعاش ثمان وثلاثين سنة" (٢).

٣ - قاضي القضاة الحسن بن عبد اللَّه بن الشيخ أبي عمر المقدسي المتوفى سنة ٦٩٥ هـ.

قال ابن كثير: "قاضي القضاة شرف الدين أبو الفضل الحسن بن الشيخ الإمام الخطيب شرف الدين أبي بكر عبد اللَّه بن الشيخ أبي عمر المقدسي، سمع الحديث وتفقه، وبرع في الفروع واللغة، وفيه أدب وحسن محاضرة، مليح الشكل، تولى القضاء بعد نجم الدين بن الشيخ شمس الدين في أواخر سنة تسع وثمانين، ودرس بدار الحديث الأشرفية بالسفح، وكانت وفاته ليلة الخميس الثاني والعشرين من شوال، وقد قارب الستين" (٣).


(١) انظر: المقصد الأرشد لابن مفلح (٣/ ١٠٧ - ١٠٩).
(٢) انظر: ذيل طبقات الحنابلة لابن رجب الحنبلي (٤/ ١٢٧ - ١٢٨).
(٣) انظر: البداية والنهاية لابن كثير (١٧/ ٦٨٩).