للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الآخرة، وأنه يرى في الدنيا والآخرة وهذا قول ابن عربي صاحب الفصوص وأمثاله؛ لأن الوجود المطلق الساري في الكائنات لا يرى وهو وجود الحق عندهم" (١).

* المطلب الخامس: الرد على من أنكر رؤية الله في الآخرة:

والذين ينكرون الرؤية هم: الجهمية والمعتزلة (٢) ومن تبعهم من الخوارج والأمامية، وقولهم باطل مردود بالكتاب والسنة، واستدلالهم في قوله تعالى: ﴿لَنْ تَرَانِي﴾ [الأعراف: ١٤٣] وقوله: ﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ﴾ [الأنعام: ١٠٣]. ويرد عليهم بأدلة أهل السنة والجماعة الدالة على ثبوتها. ثم إن الآيتين دليل عليهم؛ أما الآية الأولى فلاستدلال منها على ثبوت الرؤية من وجوه:

أحدها: أنه لا يُظن بكليم الله موسى وأعلم الناس في وقته أن يسأل ما لا يجوز عليه بل هو عندهم من أعظم المحال.

والثاني: أنه لم ينكر عليه سؤاله ولما سأل نوح ربه نجاة ابنه أنكر سؤاله.

الثالث: أن الله قال: ﴿لَنْ تَرَانِي﴾ ولم يقل إني لا أرى أو لا يجوز رؤيتي أو لست بمرئي والفرق بين الجوابين ظاهر.

الرابع: وهو قوله: ﴿وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي﴾ [الأعراف: ١٤٣] فأعلمه أن الجبل مع قوته وصلابته لا يلبث للتجلي في هذه الدار فكيف بالبشر الذي خلق من ضعف.

الخامس: أنه سبحانه قادر على أن يجعل الجبل مستقرًا وذلك ممكن وقد علق به الرؤية، ولو كان محالًا لكان نظير أن يقول: إن استقر الجبل فسوف آكل وأشرب وأنام، والكل عندهم سواء.

السادس: قوله ﴿فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا﴾ [الأعراف: ١٤٣]، فإذا جاز أن يتجلى للجبل الذي هو جماد لا ثواب له ولا عقاب، فكيف يمتنع أن يتجلى لرسوله


(١) مجموعة الرسائل والمسائل لابن تيمية (١/ ١٠٠).
(٢) انظر: شرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار (ص: ٢٣٢).