للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال إسحاق بن راهويه: "قال اللَّه تعالى: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (٥)[طه: ٥] إجماع أهل العلم أنه فوق العرش استوى ويعلم كل شيء في أسفل الأرض السابعة" (١).

وقال ابن أبي حاتم: "سألت أبي وأبا زرعة عن مذاهب أهل السنة في أصول الدين وما أدركا عليه العلماء في جميع الأمصار وما يعتقدان من ذلك؟ فقالا: أدركنا العلماء في جميع الأمصار حجازًا وعراقًا وشامًا ويمنًا فكان مذهبهم: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص. . . وأن اللَّه ﷿ على عرشه بائن من خلقه كما وصف نفسه في كتابه وعلى لسان رسوله بلا كيف، أحاط بكل شيء علما ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ [الشورى: ١١] (٢). وقال ابن أبي زيد القيرواني المالكي: "فمما أجمعت عليه الأمة من أمور الديانة، ومن السنن التي خلافها بدعة وضلالة: أن اللَّه تبارك اسمه له الأسماء الحسنى والصفات العلى لم يزل بجميع صفاته. . . وأنه فوق سماواته على عرشه دون أرضه وأنه في كل مكان بعلمه" (٣).

طرق الأدلة العقلية لإثبات صفة الفوقية للَّه تعالى:

إن فوقية اللَّه تعالى وعلوه على خلقه ثبتا عقلًا من طرق متعددة أهمها ما يلي:

الطريق الأول: أن يقال: إذا ثبت بالعقل أنه مباين للمخلوقات، وثبت أن العالم كُرِّي، وأن العلو المطلق فوق الكرة، لزم أن يكون في العلو بالضرورة، فإذا كان العالم كُرِّيًا -وقد ثبت بالضرورة أنه: إما مداخل له، وإما مباين له وليس بمداخل له- وجب أن يكون مباينًاله، وإذا كان مباينًا له، وجب أن يكون فوقه، إذ لا فوق إلا المحيط وما كان وراءه.

الطريق الثاني: أن يقال: علو الخالق على المخلوق وأنه فوق العالم، أمر مستقر في فطر العباد، معلوم لهم بالضرورة، كما اتفق عليه جميع الأمم، إقرارًا بذلك وتصديقًا، من غير أن يتواطؤوا على ذلك ويتشاعروا، وهم يخبرون عن أنفسهم أنهم يجدون التصديق بذلك في فطرهم.

الطريق الثالث: أن يقال: هم عندما يضطرون إلى قصد اللَّه وإرادته، مثل قصده عند الدعاء والمسألة، يضطرون إلى توجه قلوبهم إلى العلو، فكما أنهم مضطرون إلى دعائه وسؤاله، وهم مضطرون إلى أن يوجِّهوا قلوبهم إلى العلو إليه لا يجدون في قلوبهم توجهًا إلى جهة أخرى، ولا استواء الجهات كلها عندها، وخلو


(١) انظر: العلو للعلي الغفار. للذهبي (ص ١٧٩).
(٢) انظر: شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي (٢/ ١٩٧).
(٣) انظر: الجامع في السنن والآداب والمغازي والتاريخ لابن أبي زيد القيرواني (ص ١٠٧ - ١٠٨).