للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[المطلب الثاني: مذهب أهل السنة والجماعة في باب القدر]

الإيمان بالقدر أصل من أصول الإيمان وركن من أركانه الستة التي لا يتم إيمان العبد إِلا بها.

قال ابن تيمية: "مذهب أهل السنة والجماعة في هذا الباب وغيره ما دل عليه الكتاب والسنة وكان عليه السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان: وهو أن اللَّه خالق كل شيء وربه ومليكه وقد دخل في ذلك جميع الأعيان القائمة بأنفسها وصفاتها القائمة بها من أفعال العباد وغير أفعال العباد. وأنه سبحانه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن؛ فلا يكون في الوجود شيء إِلا بمشيئته وقدرته لا يمتنع عليه شيء شاءه؛ بل هو قادر على كل شيء ولا يشاء شيئًا إِلا وهو قادر عليه. وأنه سبحانه يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف يكون وقد دخل في ذلك أفعال العباد وغيرها وقد قدر اللَّه مقادير الخلائق قبل أن يخلقهم: قدر آجالهم وأرزاقهم وأعمالهم وكتب ذلك وكتب ما يصيرون إليه من سعادة وشقاوة فهم يؤمنون بخلقه لكل شيء وقدرته على كل شيء ومشيئته لكل ما كان وعلمه بالأشياء قبل أن تكون وتقديره لها وكتابته إياها قبل أن تكون. . . وسلف الأمة وأئمتها متفقون أيضًا على أن العباد مأمورون بما أمرهم اللَّه به منهيون عما نهاهم اللَّه عنه ومتفقون على الإيمان بوعده ووعيده الذي نطق به الكتاب والسنة ومتفقون أنه لا حجة لأحد على اللَّه في واجب تركه ولا محرم فعله بل اللَّه الحجة البالغة على عباده. . . ومما اتفق عليه سلف الأمة وأئمتها مع إيمانهم بالقضاء والقدر وأن اللَّه خالق كل شيء وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن وأنه يضل من يشاء ويهدي من يشاء وأن العباد لهم مشيئة وقدرة يفعلون بمشيئتهم وقدرتهم ما أقدرهم اللَّه عليه مع قولهم إن العباد لا يشاءون إِلا أن يشاء اللَّه" (١).

ومعنى الإيمان بالقدر: الإيمان بأن اللَّه تعالى علم مقادير الأشياء وأزمانها أزلًا قبل إيجادها ثم أوجدها بقدرته، ومشيئته على وفْقِ ما علمه منها، وأنه كتبها في اللوح المحفوظ قبل إحداثها (٢).

فعن عمر بن الخطاب في سؤال جبريل الرسول عن الإيمان قال: "أن تؤمن باللَّه وملائكته وكتبه ورسله، وتؤمن بالقدر خيره وشره. قال: صدقت".


(١) مجموع الفتاوى لابن تيمية (٨/ ٤٤٩ - ٤٥٩) باختصار.
(٢) انظر: شرح العقيدة الواسطية لمحمد خليل الهراس (ص ٦٥) وشرح النووي على صحيح مسلم (١/ ١٥٤).