للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المطلب الثالث: الفِرَق المخالفة في باب القدر.

خالف في باب القدر ثلاث فرق وهي كما يلي:

الأولى: القدرية من المعتزلة والرافضة واليهود: وهم نفاة القدر القائلين بأن العبد يخلق فعل نفسه، وأنه مسقل بإرادته وقدرته، وهي منفصلة عن مشيئة اللَّه وقدرته (١).

قال القاضي عبد الجبار المعتزلي: "اتفق كل أهل العدل على أن أفعال العباد من تصرفهم، وقيامهم وقعودهم حادثة من جهتهم، وأن اللَّه ﷿ أقدرهم على ذلك، ولا فاعل لها ولا محدث سواهم، وأن من قال أن اللَّه سبحانه خالقها ومُحدثها فقد عظُم خطؤه، وأحالوا حدوث فعل من فاعلين" (٢).

وقال أيضًا: "أفعال العباد غير مخلوقة فيهم، وأنهم المحدثون لها" (٣).

الثانية: الجبرية من الجهمية وغيرهم، وهم الذين نفوا قدرة العبد ومشيئته، وأن كل ما يفعله العبد لا قدرة ومشيئة له فيه وإنما هو بإرادة اللَّه تعالى ومشيئته، فهو مجبور عليه غير مختار في فعله (٤).

الثالثة: الأشاعرة ومن وافقهم، قالوا: بأن أفعال العباد خلق للَّه تعالى وكسب للعباد، فاللَّه خالقٌ والعبد كاسبٌ، والعبد إذا توجهت إرادته نحو عمل ما، خلق اللَّه قدرة العبد وخلق معها الفعل فقدرة العبد تختص بكسب الفعل، وقدرة اللَّه تختص بخلق الفعل، ومناط التكليف والثواب والعقاب على الكسب.

فمذهبهم أن أفعال العباد مخلوقة للَّه مقدورة له، وليس للإنسان فيها غير اكتسابها، فالفاعل الحقيقي عندهم هو اللَّه، وما الإنسان إلا مكتسب للفعل الذي أحدثه اللَّه على يد هذا الإنسان.

قال أبو الحسن الأشعري: "ومعنى الكسب أن يكون الفعل بقدرة محدثة فكل من وقع منه الفعل بقدرة قديمة فهو فاعل خالق ومن وقع منه بقدرة محدثة فهو مكتسب، وهذا قول أهل الحق" (٥).

وقال الآمدي: "ذهب أهل الحق إلى أن أفعال العباد مضافة إليهم بالاكتساب وإلى اللَّه تعالى بالخلق والاختراع، وأنه لا أثر للقدرة الحادثة فيها أصلًا" (٦).


(١) انظر: الصفدية لابن تيمية (٢/ ١٠٧).
(٢) انظر: المغني للقاضي عبد الجبار المعتزلي (٨/ ٣).
(٣) انظر: شرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار المعتزلي (ص ٣٢٣).
(٤) انظر: الملل والنحل للشهرستاني (١/ ٨٥) والنبوات لابن تيمية (١/ ٤٦١ - ٤٦٢ و ٥٨٠).
(٥) انظر: مقالات الإسلاميين للأشعري (ص ٥٣٩).
(٦) انظر: غاية المرام في علم الكلام للآمدي (ص ١٨٢) باختصار.