للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على شركهم، كما قال تعالى عنهم: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (٣٥)[النحل: ٣٥].

قال ابن تيمية: "وهؤلاء المشركون -المحتجون بالقدر على ترك ما أرسل اللَّه به رسله من توحيده والإيمان به- لو احتج به بعضهم على بعض في إسقاط حقوقه ومخالفة أمره لم يقبله منه، بل كان هؤلاء المشركون يذم بعضهم بعضا، ويعادي بعضهم بعضا، ويقاتل بعضهم بعضا على فعل ما يرونه تركًا لحقهم أو ظلمًا، فلما جاءهم رسول اللَّه يدعوهم إلى حق اللَّه على عباده وطاعة أمره احتجوا بالقدر، فصاروا يحتجون بالقدر على ترك حق ربهم ومخالفة أمره بما لا يقبلونه ممن ترك حقهم وخالف أمرهم" (١).

ومع ذلك لم يقل أحد منهم بنفي القدر مطلق، بل أثبتوه في كثير من أقوالهم وأشعارهم.

قال الإمام اللغوي أحمد بن يحيى ثعلب: "ولا أعلم عربية قدرية، قيل له: يقع في قلوب العرب القول بالقدر؟ قال: معاذ اللَّه، ما في العرب إلا مثبت القدر خيره وشره، أهل الجاهلية والإسلام، ذلك في أشعارهم وكلامهم كثيرٌ بيِّنٌ، ثم أنشد:

تجري المقادير على غرز الإبر … ما تنفذ الإبرة إلا بقدر

قال: وأنشد لامرئ القيس: إن الشقاء على الأشقينِ مكتوبُ" (٢).

دليل العقل: أن العقل السليم كما أقرَّ بأن اللَّه هو الخالق المالك المدبر، فإنه كذلك يُقرُّ بأن اللَّه ﷿ المقدر لكل شيء الذي لا يقع شيء في الوجود إلا بمشيئته وإرادته، وهذا هو ما استدل به موسي كما قال تعالى عنه: ﴿قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (٥٠)[طه]، فاللَّه تعالى هو الذي خلق الخلق فسواه، وقدر فهداه، قال تعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (٢) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى (٣)[الأعلى]، وهو تعالى على كل شيء قدير، وعلمه محيط بكل شيء قال تعالى: ﴿لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾ [الطلاق: ١٢].

* * *


(١) منهاج السنة لابن تيمية (٣/ ٥٧).
(٢) انظر: شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي (٤/ ٧٧٩ - ٧٨٠).