للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٥ - حديث أبي بن كعب حينما قال لابن الديلمي: "ولو أنفقت جبل أحد ذهبا في سبيل اللَّه، ما قبله اللَّه منك حتى تؤمن بالقدر، وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، ولو مت على غير ذلك، لدخلت النار، قال: فأتيت حذيفة، فقال لي مثل ذلك، وأتيت ابن مسعود، فقال لي مثل ذلك، وأتيت زيد بن ثابت، فحدثني عن النبي مثل ذلك" (١). وهناك أدلة كثيرة جدا من السنة النبوية على الإيمان بالقدر خيره وشره، وفيما ذُكر كفاية وللَّه الحمد.

دليل الإجماع:

أجمع السلف من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أئمة الإسلام على الإيمان بالقدر خيره وشره.

قال ابن عبد البر: "أما أهل السنة فمجتمعون على الإيمان بالقدر على ما جاء في هذه الآثار ومثله من ذلك وعلى اعتقاد معانيها وترك المجادلة فيها" (٢).

وقال ابن أبي زمنين: "قول أهل السنة: أن المقادير كلها خيرها وشرها حلوها ومرها من اللَّه ﷿ فإنه خلق الخلق وقد علم ما يعملون وما إليه يصيرون، فلا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع" (٣).

قال ابن القطان الفاسي: "وأجمعوا على أن الإقرار بالقدر مع الإيمان به واجب، وأجمعوا أنه تعالى قدر أفعال جميع الخلق وآجالهم وأرزاقهم قبل خلقه لهم، وأثبت في اللوح المحفوظ جميع ما هو كائن منهم، وأجمعوا على أنه الخالق لجميع أفعال العباد وأرزاقهم والمُنشئ لجميع الحوادث وحده، لا خالق لشيء منها سواه. وأجمعوا على أن الخلق لا يقدرون على الخروج عما سبق به علم اللَّه فيهم وإرادته لهم" (٤).

وقال النووي: "قد تظاهرت الأدلة القطعيات من الكتاب والسنة وإجماع الصحابة وأهل الحل والعقد من السلف والخلف على إثبات قدر اللَّه " (٥).

دليل الفطرة: أن الخلق مفطورون على الإقرار بقدر اللَّه تعالى، وأنه تعالى الخالق لكل شيء، حتى أن المشركين مع أنهم انحرفوا عن عبادة اللَّه وحده إلا أنهم مقرون بالقدر قائلون بالاحتجاج به، إلا أنهم يحتجون به خطأً


(١) أخرجه الإمام أحمد (رقم ٢١٥٨٩) وأبو داود (رقم ٤٦٩٩) وابن ماجه (رقم ٧٧) وعبد بن حميد (رقم ٢٤٧) وابن حبان (رقم ٧٢٧).
(٢) انظر: الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار لابن عبد البر (٨/ ٢٦٤).
(٣) انظر: أصول السنة لابن أبي زمنين (ص ١٩٧).
(٤) انظر: الإقناع في مسائل الإجماع لابن القطان الفاسي (١/ ٥٤ - ٥٦).
(٥) انظر: شرح النووي تصحيح مسلم (١/ ١٥٥).