للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثانيًا: دليل المقابلة: وهو أن الرؤية تقتضي مقابلة المرئي للرائي، وإذا كان كذلك فتكون الرؤية ممتنعة في حق اللَّه ﷿. قال عبد الجبار المعتزلي: "إن الواحد منا راء بحاسة، والرائي بالحاسة لا يرى الشيء إلا إذا كان مقابلًا أو حالًا في المقابل أو في حكم المقابل، وقد ثبت أن اللَّه تعالى لا يجوز أن يكون مقابلًا ولا حالًا في المقال ولا في حكم المقابل، وهذه الدلالة مبنية على أصول:

أحدها: أن الواحد منا راءٍ بالحاسة.

والثاني: أن الرائي بالحاسة لا يرى الشيء إلا إذا كان مقابلًا أو حالًا في المقابل أو في حكم المقابل.

والثالث: أن القديم تعالى لا يجوز أن يكون مقابلًا ولا حالًا في المقابل ولا في حكم المقابل.

أما الأول: فالذي يدل عليه أن أحدنا متى كان له حاسة صحيحة والموانع مرتفعة والمُدركُ موجود: يجب أن يرى، ومتى لم يكن كذلك استحالة أن يُرى، فيجب أن يكون لصحة الحاسة في ذلك تأثير؛ لأن بهذه الطريقة يعلم تأثير المؤثرات من الأسباب والعلل والشروط.

وأما الثاني: فالشيء المرئي إذا كان كذلك وجب أن يُرى، وإذا لم يكن كذلك لم يُر، فيجب أن تكون المقابلة أو ما في حكمها شرطًا في الرؤية؛ لأنه بهذه الطريقة يعلم تأثير الشروط.

وأما الثالث: فلأن المقابلة والحلول إنما تصح على الأجسام والأعراض واللَّه تعالى ليس بجسم ولا عرض فلا يجوز أن يكون مقابلًا ولا حالًا في المقابل ولا في حكم المقابل" (١).

ثالثًا: دليل الانطباع: وهو: أن كل ما يكون مرئيًا فلا بد وأن تنطبع صورته ومثاله في العين، واللَّه تعالى يتنزه عن الصورة والمثال، فوجب أن تمتنع رؤيته (٢).

رابعًا: أن كل ما كان مرئيًا فلا بد له من لون وشكل، ودليله الاستقراء واللَّه تعالى منزه عن ذلك فوجب ألا يرى (٣).

* * *


(١) انظر: شرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار المعتزلي (ص ٢٤٨ - ٢٤٩) والأربعين في أصول الدين للرازي (١/ ٢٩٧ - ٢٩٨).
(٢) انظر: الأربعين في أصول الدين للرازي (١/ ٢٩٨).
(٣) انظر: الأربعين في أصول الدين للرازي (١/ ٢٩٨) والتمهيد للباقلاني (ص ٢٧٨).