للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم ختم ابن المحب هذا الباب بذكر أقوال علماء أهل السُّنَّة والجماعة في صفة الكلام، فذكر قول شميخ الإسلام ابن تيمية ، وقول الإمام أحمد، وسؤال أبي بكر المروذي للإمام أحمد، وجزء من قصيدة أبي الحسن الكُرجي (١) التي نظمها على مذهب أهل السُّنَّة والحديث.

وهذه الأقوال هي خلاصة مذهب أهل السُّنَّة والجماعة في اثبات صفة الكلام، فقد قال: "وبالجُملة: فلا رَيْبَ أنَّه قَد ثَبَتَ بالكِتَاب والسُّنَّة وإجماع السَّلف: أنَ اللهَ تكلَّم بالقُرآن بِحروفِه ومَعَانيه، بصَوتِ نَفْسه، ونادى موسَى بصوتِ نَفسِه، وأنَّ صوتَ الرَّبّ لا يماثِل أصوات العِباد، كما أنَّ علمَه لا يماثِل علمَهُم، وقدرته لا تماثل قُدْرَتَهم، وأنَّه بائنٌ عن مخلوقاتِه بذاتِه وصفَاتِه، وقد نصر على ذلك أَئمَّة الإِسْلام أحمد ومَنْ قبله مِن الأَئمَّة، فالصَّوت المسْمُوع من العَبد صوتُ القَارئ، والكلامُ كلامُ البارِئ" (٢).

وقال أيضًا: "وَجُمْهُور الْمُسْلِمِينَ يَقُولُونَ: إنَّ الْقُرْآنَ الْعَرَبِيَّ كَلَامُ اللهِ، وَقَدْ تَكَلَّمَ اللهُ بِهِ بِحَرْفِ وَصوْتٍ، فَقَالُوا: إنَّ الْحُرُوفَ وَالْأَصوَاتَ قَدِيمَةُ الْأَعْيَانِ أَوْ الْحُرُوفُ بِلَا أَصْوَاتٍ، وَإِنَّ الْبَاءَ وَالسِّينَ وَالْمِيمَ مَعَ تَعَاقُبِهَا فِي ذَاتِهَا فَهِيَ أَزَلِيَّةُ الْأَعْيَانِ لَمْ تَزَلْ وَلَا تَزَالُ" (٣).

* صفة المَحَبَّة:

صفةٌ فعليَّةٌ اختيارية، ثابتةٌ بالكتاب والسُّنَّة.

وقد بوَّب ابن المحب لهذه الصِّفة: (باب قول الله تعالى: ﴿يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾ [المائدة: ٥٤]. وأطال في اثبات هذه الصِّفة فجمع فيها الأدلة من الكتاب والسُّنَّة حتى جاوزت (٥٠) دليلًا.

ومن هذه الأدلة: قول الله تعالى: ﴿يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (٢٢٢)[البقرة: ٢٢٢]، ﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (١٠٨)[التوبة: ١٠٨]، ﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (١٤٦)[آل عمران: ١٤٦]، ﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (٩٣)[المائدة: ٩٣]، ﴿وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٩٥)[البقرة: ١٩٥].


(١) محمد بن عبد الملك بن محمد الكرجي، أبو الحسن، من علماء السَّلف، ستأتي ترجمته في قسم التحقيق بعد حديث رقم (٦٧٢).
(٢) سيأتي في قسم التحقيق بعد حديث رقم (٦٧٠).
(٣) ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (٥/ ٥٥٦).